مع مطلع يوليو، بدأ موسم فيضان النيل على الهضبة الإثيوبية، وسط أجواء سياسية ومائية مشحونة تشي بتصاعد جديد في واحدة من أكثر الأزمات حساسية في تاريخ العلاقات بين دول حوض النيل.
وبينما يترقب المصريون تداعيات هذا الموسم على حصتهم المائية، تؤكد تصريحات رسمية ومصادر دبلوماسية أن أزمة سد النهضة وصلت إلى طريق مسدود، مع تعنت إثيوبي ورفض لأي جهود وساطة لاستئناف المفاوضات المتعثرة.
وقال وزير الخارجية في حكومة عبدالفتاح السيسي، بدر عبد العاطي، في حوار تلفزيوني الأحد الماضي، إن الدولة المصرية بمؤسساتها "لن تسمح تحت أي ظرف من الظروف بالمساس بحصتها التاريخية من مياه النيل"، مضيفًا أن "هذا الأمر وجودي بالنسبة لمصر"، في إشارة مباشرة إلى الحصة المقررة تاريخيًا والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويًا.
رفض إثيوبي للوساطات وتعقيد في ملف البحر الأحمر
وكشف مصدر دبلوماسي مصري عن رفض إثيوبيا مؤخرًا محاولات وساطة من أطراف إقليمية كانت تسعى لتحريك ملف التفاوض والوصول إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، مؤكدًا أن أديس أبابا تواصل سياسة فرض الأمر الواقع، ما يهدد بمزيد من التوتر في منطقة القرن الأفريقي.
وأوضح المصدر أن القاهرة كانت مستعدة للتجاوب مع الرغبة الإثيوبية في الحصول على منفذ بحري دائم على البحر الأحمر، بشرط إظهار حسن نية فيما يتعلق بسد النهضة، إلا أن أديس أبابا مضت قدمًا في توقيع اتفاق مع إقليم "صوماليلاند" غير المعترف به دوليًا لإنشاء ميناء في بربرة، الأمر الذي تسبب في أزمة دبلوماسية مع الحكومة الصومالية المركزية وأثار تحفظات مصرية واسعة.
في هذا السياق، شدد عبد العاطي على موقف بلاده الرافض لأي قواعد أو منافذ مستدامة على البحر الأحمر لأي دولة غير مطلة عليه، قائلًا: "هذا خط أحمر وأبلغنا به كل الفاعلين الإقليميين، بما في ذلك تركيا".
مخاوف مائية ومؤشرات فنية تنذر بالخطر
وفي سياق تحليلي، وصف الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، التصريحات المصرية الأخيرة بأنها غير كافية بالنظر إلى الأضرار الفعلية التي لحقت بالبلاد نتيجة السياسات الإثيوبية.
وقال إن مصر اضطرت إلى معالجة نحو 25 مليار متر مكعب من مياه الصرف لاستخدامها في الزراعة، بتكلفة مرتفعة تبلغ 15 جنيهاً للمتر المكعب الواحد، وهو ما يشكل عبئاً اقتصادياً ضخماً على الدولة.
وأضاف شراقي أن "ملف سد النهضة قد انتهى فعليًا منذ اكتمال الملء الرابع العام الماضي، لكن عدم وجود اتفاق قانوني يشكل خطورة على الأمن المائي لمصر والسودان"، داعيًا الدولة إلى التحرك الدبلوماسي العاجل قبل أن تُعلن إثيوبيا الافتتاح والتشغيل الرسمي للسد.
وأشار شراقي إلى أن إثيوبيا تخطط لبناء سدين إضافيين على مجرى النيل، كما أنها بدأت تروّج لمطلب جديد بالحصول على حصة ثابتة من مياه النهر تُقدّر بـ20 مليار متر مكعب، وهو ما وصفه بالتصعيد الخطير الذي يستلزم موقفًا موحدًا من دولتي المصب.
سد النهضة مقابل السد العالي.. معركة الماء المستمرة
فنيًا، تبلغ سعة خزان سد النهضة حاليًا 55 مليار متر مكعب، وهو ما اعتبره شراقي رقمًا مقلقًا في ظل بدء موسم الفيضان دون تنسيق مع دولتي المصب.
وأوضح أنه لولا وجود السد العالي في أسوان، وسعة بحيرة ناصر التي تبلغ 169 مليار متر مكعب، لكانت مصر الآن في أزمة مائية حادة.
وتعاني مصر من عجز مائي سنوي يصل إلى 55%، وتعتمد بنسبة 98% على نهر النيل كمصدر رئيسي للمياه، وهو ما يضعها تحت خط الفقر المائي العالمي، حيث لا تتجاوز حصة الفرد 500 متر مكعب سنويًا، وفقًا لبيانات وزارة الموارد المائية والري.