وصف الخبير العسكري والاستراتيجي، العقيد الركن المتقاعد نضال أبو زيد، العملية التي نفذتها سرايا القدس – الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي – في حي الشجاعية شمالي قطاع غزة، بأنها عملية عسكرية متكاملة الأركان، مرجحًا أن تكون عملية مشتركة نُسقت مع كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

ووفقًا لما أعلنته سرايا القدس، فقد استهدفت العملية رتلًا من الآليات الإسرائيلية وعشرات الجنود شرقي الشجاعية، وبدأت بتفجير حقل ألغام معد مسبقًا، ما دفع القوات الإسرائيلية -بمن فيهم الضباط- إلى اللجوء للمنازل السكنية القريبة. وسرعان ما استُهدفت تلك القوات داخل المباني بواسطة صاروخ موجه، تلته قذيفة من طراز TPG، فيما باغت المقاتلون القوات المحاصرة واشتبكوا معها من مسافة قريبة باستخدام أسلحة خفيفة ومتوسطة.

وأكدت سرايا القدس أنها أوقعت إصابات مباشرة بين صفوف الجنود الإسرائيليين، بين قتيل وجريح، في صفوف طاقم الآليات والقوات المتحصنة.

 

شاهد:

https://www.youtube.com/watch?v=4Bmf8lwV2W8

من جانبه، أوضح العقيد أبو زيد، في تحليل للمشهد الميداني، أن العملية عكست قدرات استخباراتية واستطلاعية دقيقة، من خلال تتبع تحركات القوات الإسرائيلية في المنطقة، بالإضافة إلى بُعد إعلامي واضح تمثل في نشر تسجيلات وتفاصيل لحظة تنفيذ العملية، ما يعزز من تأثيرها النفسي والعملياتي، وفقًا لـ"الجزيرة نت".

وأشار إلى أن منطقة شرق الشجاعية كانت تحت سيطرة الفرقة الإسرائيلية "252" التي انسحبت قبل نحو 72 ساعة، لتتولى مكانها الفرقة "99 مشاة"، التي كانت مكلفة مؤخرًا بتنفيذ ما عرف بـ"خطة الجنرالات". وأضاف أن المقاومة كانت قد وجهت رسالة مسبقة لتلك الفرقة، عبر نشر مقطع مصور يعود إلى 23 ديسمبر 2024، في إشارة تحذيرية مفادها: "لقد عدتم للمكان ذاته.. وستتكبدون الخسائر".

وتعكس العملية، بحسب المراقبين، تحولًا في التكتيك المقاوم نحو اعتماد الكمائن المركبة، واستخدام متزامن لوسائل التفجير، والاشتباك المباشر، والحرب النفسية والإعلامية، في إطار معركة استنزاف مفتوحة، تؤكد خلالها الفصائل الفلسطينية امتلاكها زمام المبادرة والقدرة على إيلام العدو حتى في أعمق مناطق تمركزه داخل غزة.

بثّت كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مشاهد مصوّرة قالت إنها توثق اشتباكًا مباشرًا من المسافة صفر مع قوة إسرائيلية خاصة شرق مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، وذلك خلال ما أسمتها بـ"معركة المخيم الثالثة"، بتاريخ 23 ديسمبر 2024.

 

تخطيط مركزي.. وتنفيذ لامركزي

في تحليله للمشهد الميداني، أوضح العقيد الركن المتقاعد نضال أبو زيد أن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تتبنى نمطًا عملياتيًا يجمع بين التخطيط المركزي والتنفيذ اللامركزي، بحيث تُخطط المعارك على مستوى قيادة موحدة، بينما يُنفذ كل تشكيل ميداني عملياته حسب ظروف منطقته، مستخدمًا تكتيكات متطابقة من حيث الغاية ومختلفة من حيث الوسائل.

وأشار إلى أن التكتيك المستخدم في خان يونس جنوبًا يتكرر في الشجاعية أو جباليا شمالًا، مع اختلاف نوعية الأسلحة والظروف الميدانية. وأكد أن سرايا القدس تتقن تنفيذ هجمات عبر منازل مفخخة ومحصنة، بينما تتفوق كتائب القسام في نصب حقول ألغام معقدة ومباغتة.

وأضاف أبو زيد أن الفيديوهات الميدانية التي تبثها الفصائل، وخصوصًا كتائب القسام وسرايا القدس، تعكس ما وصفه بـ"القدرة العالية على القيادة والسيطرة، والمرونة التكتيكية في إعادة تشكيل الوحدات المقاتلة". ولفت إلى أن هذا النموذج يختلف كليًا عن الجيوش النظامية التي تعاني من تعقيدات هيكلية وبيروقراطية، بينما المقاومة "تُعيد إنتاج نفسها مرارًا وتخوض معركة استنزاف طويلة الأمد".

 

الأسرى ذريعة.. والخسائر تتصاعد

وفي قراءة للموقف الإسرائيلي، قال العقيد أبو زيد إن قيادة الجيش الإسرائيلي، وعلى رأسها رئيس الأركان إيال زامير، باتت تتذرع بملف الأسرى لتبرير استمرار الحرب، رغم أن "زامير لم يكن يعير قضية الأسرى اهتمامًا في الأيام الأولى من الحرب"، بحسب تعبيره.

وأوضح أن الخسائر البشرية في صفوف الجيش الإسرائيلي تشهد تصاعدًا لافتًا، وأن القيادة العسكرية بدأت تقترب من ما يُعرف عسكريًا بـ"النقطة الحرجة"، حيث تصبح العملية مكلفة لدرجة تهدد كفاءة واستمرار الوحدات.

وبيّن أن "أي وحدة عسكرية تتكبد خسائر تتجاوز 35% من قوتها، تُعد في حالة استنزاف حرجة، ويُصبح من اللازم على القيادة إما إيقاف العملية أو سحب الوحدة من المحور القتالي فورًا". وأكد أن ما يحدث حاليًا في غزة يُنذر بوصول أكثر من وحدة إسرائيلية إلى هذه العتبة، ما يُحرج القيادات العسكرية والسياسية معًا.

وتعكس هذه المؤشرات، وفق مراقبين، اختلال موازين الكلفة الميدانية لصالح المقاومة، واستمرارها في إدارة معاركها بأسلوب مرن وفعّال، وسط بيئة قتال شديدة التعقيد والسيولة.