في إعلان هو الأول من نوعه منذ أشهر، كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الثلاثاء، أن إسرائيل وافقت على "الشروط اللازمة" لتنفيذ هدنة تمتد لـ60 يومًا في قطاع غزة، في إطار مساعٍ تهدف لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. وأوضح ترامب أن المقترح ستقدمه رسميًا كل من قطر ومصر، اللتين وصفهما بـ"الشريكين الحريصين على إحلال السلام".
هذه الهدنة، التي تفوق في مدتها أي اتفاقات سابقة بين الطرفين، تأتي في وقت حرج من الصراع، وسط شكوك قوية بشأن نوايا إسرائيل، خاصة في ظل سجلها السابق في التنصل من الاتفاقات السابقة بعد انتهائها، واستئنافها العمليات العسكرية بصورة أعنف.
أطراف مترددة وظلال من عدم الثقة
حتى الآن، لم تعلن حركة حماس موقفها الرسمي من المقترح، لكنها أبدت مرارًا انفتاحها على أي اتفاق يتضمن وقفًا شاملًا للعدوان، وتبادلاً متكافئًا للأسرى، وانسحابًا كاملاً لقوات الاحتلال، إلى جانب ضمانات دولية واضحة بمنع استئناف الحرب.
أما إسرائيل، وعلى الرغم من تصريحات وزير الخارجية جدعون ساعر بأن الحكومة وافقت على المقترح الأميركي، لا تزال تُبقي باب التصعيد مفتوحًا، خاصة مع ما نُقل عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من مطالب بالحصول على تعهد أميركي باستئناف الحرب إذا لم يتم تفكيك قدرات حركة حماس خلال الهدنة.
وفي الوقت الذي تحدثت فيه مصادر إسرائيلية عن احتمال كبير لإتمام الصفقة، تظل الخلافات العالقة حول "نهاية الحرب" و"الانسحاب الكامل من غزة" أبرز العقبات. وفي المقابل، يواصل بعض المسؤولين الإسرائيليين إطلاق تهديدات واضحة، مفادها: "إما الصفقة أو رماد شامل لغزة".
أدوار الوسطاء والدور الأميركي الغامض
تلعب قطر ومصر دورًا محوريًا في هندسة مقترح الهدنة، في حين تبدو واشنطن حريصة على حفظ ماء وجهها عبر وساطة ترامب، دون تقديم التزامات صريحة، خاصة ما يتعلق بمستقبل الحرب إذا فشل الاتفاق.
اللافت أن هذا المقترح يأتي في لحظة سياسية حرجة، سواء في إسرائيل التي تعيش تحت ضغوط داخلية متزايدة ضد نتنياهو، أو في الولايات المتحدة التي تتهيأ لانتخابات محتدمة قد يسعى ترامب لاستثمارها بإظهار نفسه كصانع سلام في الشرق الأوسط.
الولايات المتحدة تعود إلى ساحة الوساطة بحزم
عادت الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، إلى الواجهة السياسية بقوة في ملف الحرب على غزة، بعد فترة من الغياب النسبي عن مسار الوساطات المؤثرة. إعلان ترامب الأخير بأن إسرائيل وافقت على "الشروط اللازمة" لوقف إطلاق نار يمتد لـ60 يومًا، وتأكيده أن قطر ومصر ستقدمان المقترح النهائي، يكشف عن رغبة أميركية متجددة في لعب دور الوسيط الفاعل في واحدة من أعقد أزمات المنطقة وأكثرها اشتعالًا.
ترامب، الذي تحدث عن "اجتماعات طويلة ومثمرة" بين ممثليه ومسؤولين إسرائيليين، أكد على جدية بلاده في الدفع نحو اتفاق شامل لوقف الحرب، مشددًا على أن "الوضع لن يتحسن، بل سيزداد سوءًا"، في حال عدم التوصل إلى تفاهم مع حركة حماس. وفي تطور لافت، أشار ترامب إلى أنه سيكون "حازمًا" مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن إنهاء العمليات في غزة، متوقعًا التوصل إلى اتفاق خلال الأسبوع المقبل.
وفي تسريبات نقلتها مجلة نيوزويك، كشفت مصادر مطلعة أن ترامب لا يسعى إلى مجرد هدنة مؤقتة، بل يطمح لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار في غزة، يشمل إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين، ويفتح الباب أمام مفاوضات أوسع حول مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
دور الوساطة القطرية والمصرية: خبرة ودفع أميركي
تلعب كل من قطر ومصر دورًا رئيسيًا في مسار الوساطة، وهو ما أكده ترامب صراحة بإشادته بجهودهما الحثيثة في "إحلال السلام". وقد سبق للدولتين أن كان لهما حضور بارز في التوسط لهدنات سابقة، إلا أن الجولة الحالية تحمل طابعًا مختلفًا، نظراً لوجود ضغط وضمانات دولية أكبر، خصوصًا من قبل واشنطن، مما يُضفي على المقترح ثقلاً غير مسبوق مقارنة بالمبادرات السابقة.
رغم ذلك، لا تزال الصورة غير مكتملة. ففي تصريح لافت، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، يوم الاثنين الماضي، وجود محادثات مباشرة بشأن غزة، مشيرًا إلى أن الاتصالات لا تزال مستمرة في سبيل العودة إلى طاولة التفاوض. وأضاف الأنصاري أن هناك "نيات أميركية جادة" للدفع نحو استئناف المفاوضات، رغم وجود تعقيدات لم يفصح عنها، لكنه أشار إلى "لغة إيجابية" صادرة عن واشنطن قد تمهد الطريق لاتفاق محتمل.
ملف الأسرى: نقطة ارتكاز للتفاهمات
من الملفات الأكثر حساسية في مفاوضات التهدئة الحالية، ملف الأسرى، الذي بات يشكّل محورًا أساسيًا في أي اتفاق محتمل. وتقدّر السلطات الإسرائيلية عدد الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة بـ50 شخصًا، من بينهم نحو 20 على قيد الحياة. في المقابل، يحتجز الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 10,400 فلسطيني في سجونه، يتعرضون وفق تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية لأشكال متعددة من التعذيب والإهمال الطبي والتجويع، وهو ما تسبب في وفاة عدد منهم.
ورغم غياب التفاصيل الدقيقة حتى الآن، فإن هيئة الإذاعة الإسرائيلية نقلت أن الرئيس ترامب يسعى لعقد "صفقة كبرى" تشمل وقف الحرب والإفراج المتبادل عن الأسرى. وتؤكد حركة حماس أنها مستعدة لإطلاق سراح جميع المحتجزين لديها، شرط أن تتضمن الصفقة وقفا كاملا للعدوان وانسحابا شاملا لقوات الاحتلال من غزة، إلى جانب ترتيبات إنسانية وضمانات دولية.
من جهتها، لا تزال إسرائيل تشترط تفكيك حماس كجزء أساسي من أي اتفاق، ما يعكس تباينًا حادًا بين الموقفين، ويجعل مهمة التوصل إلى تفاهم شامل محفوفة بالتعقيدات. إلا أن إدراج قضية الأسرى في صلب المفاوضات الحالية قد يشكل نقطة انطلاق نحو اتفاق أكثر شمولًا واستدامة، إذا ما توفرت الإرادة السياسية من جميع الأطراف.
خلاصة: توازنات دقيقة ومصير غامض
الهدنة المقترحة ليست فقط اختبارًا لمدى نجاعة الوساطة الدولية، بل تمثل أيضًا اختبارًا للنوايا الحقيقية لجميع الأطراف المعنية بالصراع. وبينما تسعى واشنطن إلى إحراز إنجاز سياسي ودبلوماسي يعيدها إلى قلب مشهد الشرق الأوسط، يظل النجاح معلقًا على قدرة هذه الأطراف في تجاوز الشروط المتضادة، والتأسيس لمرحلة جديدة عنوانها "وقف دائم للدمار"، لا مجرد استراحة مؤقتة من الحرب.