تستعد حكومة السيسي لرفع أسعار الكهرباء على جميع شرائح المستهلكين اعتبارًا من يوليو المقبل، في خطوة تعكس تحوّلًا في سياساتها بشأن تحرير أسعار الطاقة، بعد أن كانت مؤشرات سابقة قد صدرت عن نواب في البرلمان بشأن إمكانية تمديد الجدول الزمني لتنفيذ التزاماتها مع صندوق النقد الدولي حتى عام 2026 بدلًا من نهاية العام الجاري.

في هذا السياق، تتزامن الزيادة المرتقبة في أسعار الكهرباء مع أزمة أخرى أكثر إلحاحًا في القطاع الزراعي، حيث قفزت أسعار الأسمدة بشكل لافت خلال الأيام الماضية، بالتزامن مع موسم الزراعة الصيفية، ما وضع الفلاحين أمام معاناة مزدوجة من نقص الإمدادات وارتفاع التكاليف.

 

أزمة الأسمدة: الإنتاج يتوقف والأسعار تقفز

أكد نقيب الفلاحين، صدام أبو حسين، أن السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار الأسمدة هو توقف الإنتاج المحلي في عدد من المصانع، ما اضطر التجار إلى الاعتماد على ما تبقى من مخزون أو اللجوء إلى السوق الحرة، حيث تباع الأسمدة بأسعار مرتفعة تتجاوز القدرة الشرائية لصغار المزارعين. وأشار إلى أن الجمعيات الزراعية واجهت صعوبة في تدبير البدائل، في وقت ارتفع فيه الطلب على النترات واليوريا، وهما المادتان الأساسيتان في الزراعة الصيفية.

وأشار إلى أن استمرار توقف المصانع كان من الممكن أن يدفع السوق إلى موجة مضاربة أكثر حدة، لولا بدء عودة بعض الشركات إلى الإنتاج، وهو ما يمنح أملًا في تراجع تدريجي للأسعار، التي ارتفعت بالفعل منذ مطلع الموسم إلى ما يزيد عن 20 ألف جنيه للطن.

في المقابل، أكدت مصادر حكومية أن الأسعار ستبدأ في التراجع خلال أسبوعين، مع استعادة المصانع لجزء كبير من طاقتها الإنتاجية، مما سيزيد حجم المعروض ويخفف الضغط عن المزارعين، الذين واجهوا زيادات مفاجئة في تكاليف الزراعة ومدخلات الإنتاج.

 

وزارة البترول: تعزيز إنتاج الغاز لتثبيت الأمن الطاقي

الحكومة ربطت تلك الوعود بانفراجة محتملة في أزمة الطاقة، مدعومة بتحركات من وزارة البترول لتعزيز إنتاج الغاز الطبيعي، خاصة من حقل "ظهر"، الذي شهد مؤخرًا دخول البئر الجديدة "ظهر 6" الخدمة، بطاقة إنتاجية بلغت 60 مليون قدم مكعبة يوميًا. كما تخطط الوزارة لحفر بئر إضافية تحمل اسم "ظهر 13"، بقدرة تقديرية تصل إلى 55 مليون قدم مكعبة يوميًا.

كما تسعى الوزارة لتنويع مصادر الغاز عبر توقيع اتفاقيات جديدة مع شركات عالمية كبرى مثل "شيفرون"، و"شل"، و"إيني"، والحد من الاعتماد على واردات الغاز الطبيعي المسال ذات التكلفة المرتفعة، عبر رفع استثمارات إنتاج الغاز المحلي وتنظيم توزيعه بين القطاعات المختلفة.

 

زيادات صادمة.. والأسعار تتجاوز الدعم

وعبر جولة في الأسواق تم رصد ارتفاع حاد في أسعار الأسمدة الأسبوع الماضي، حيث ارتفعت عبوة اليوريا وزن 50 كجم إلى ما بين 1600–1700 جنيه، مقارنة بنحو 1200 جنيه مطلع يونيو، فيما بلغت عبوة النترات 1100–1200 جنيه، بينما كانت تباع سابقًا في حدود 259 جنيها للمزارعين في الجمعيات الزراعية، وفقًا لـ "العربي الجديد".

وأدت أزمة الغاز إلى توقف عدد من مصانع الأسمدة الكبرى، ما تسبب في تقليص الإنتاج إلى نحو 40–50% من الكميات المتفق عليها مع وزارة الزراعة لتوزيعها ضمن منظومة الدعم، مما نتج عنه انخفاض المخزون المدعوم من 300 ألف طن إلى 160 ألف فقط، وسط انتشار المضاربة والبيع في السوق الحرة، وقيام بعض السماسرة بحجب الكميات لتحقيق مكاسب مضاعفة في ظل أزمة المعروض.

 

دعم بالمليارات.. وتوزيع هش

في تقرير حديث لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، قدرت الحكومة دعم الأسمدة الزراعية بنحو 30 مليار جنيه سنويًا، لكنها أقرّت بوجود خلل كبير في منظومة التوزيع. وقالت إنها بصدد تطوير آلية "كارت الفلاح" ونظام ميكنة رقمي شامل، لمتابعة خط سير الأسمدة من المصنع إلى المزارع، وضبط أي محاولات تلاعب أو تهريب، خاصة أن شركات الأسمدة مُطالبة بضخ 10% من إنتاجها في السوق الحر لتغطية احتياجات التجار والمزارعين غير المسجلين.

 

بين الآمال الرسمية وشكاوى الفلاحين

ورغم محاولات الحكومة للسيطرة على الوضع، تبقى شكاوى الفلاحين في الميدان حاضرة. إذ أكد كثيرون أن الأسعار باتت خارج السيطرة، وأن السوق بات رهينة للمضاربين. فيما تتجه الأنظار إلى نتائج خطة وزارة البترول على الأرض، باعتبارها نقطة الانطلاق الحاسمة لضبط كلفة الإنتاج الصناعي والزراعي، وتحقيق نوع من الاستقرار الذي طال انتظاره.