قبل ساعات قليلة من الجلسة البرلمانية الحاسمة المقرّرة اليوم الأحد لإقرار مشروع تعديل قانون الإيجارات القديمة، تتعالى الأصوات التحذيريّة من «كارثة اجتماعية واقتصادية» قد تطاول شريحة واسعة من المجتمع المصري.
وبينما يتقاذف الملاك والمستأجرون كرة اللهب، يحمّل خبراء الاقتصاد والقانون الحكومة مسؤولية سدّ الفجوة المزمنة التي خلّفتها عقود من تجميد العلاقة الإيجارية، محذّرين من أن تمرير القانون بصيغته الحالية يهدّد بانهيار 29 ألف عقار وإشعال فتيل نزاعات قضائية لا تنتهي.
معركة ممتدة منذ أكثر من قرن
على مدى 105 سنوات ظلّ قانون الإيجارات القديمة يمثّل «جرحًا نازفًا» في جسد السوق العقارية، فقد تدخلت الدولة منذ عشرينيات القرن الماضي لضبط الأسعار لمصلحة المستأجرين، فألقت بعبء الدعم غير المباشر على الملاك. النتيجة: عقود إيجار أزليّة بقيم زهيدة لا تتجاوز أحيانًا خمسة جنيهات شهريًا، وعوائد عقارية لا تغطّي تكلفة الصيانة، ما حوّل آلاف المباني إلى «قنابل موقوتة» مهدَّدة بالسقوط.
دراسة حديثة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية تكشف أنّ 1.8 مليون أسرة – أي نحو ستة ملايين مواطن – ما زالت تعيش في وحدات خاضعة للقانون القديم، تتركّز 93 % منها في المدن.
وتستحوذ محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية والقليوبية على 82 % من تلك الحالات، ورغم انخفاض العدد من 2.6 مليون أسرة عام 2006 إلى 1.6 مليون في 2017، فإنّ الخبراء يحذرون من أن التشريع الجديد قد يعرّض ما تبقى من الأسر لضغوط معيشية هائلة إذا لم تُصمَّم شبكة أمان اجتماعي بالتوازي مع الإصلاح القانوني.
أرقام مخيفة: 29 ألف عقار مهدَّد بالانهيار
غياب الصيانة الناجم عن تدني الإيجارات انعكس بوضوح على السلامة الإنشائية للمباني القديمة، فبحسب البيانات التي عُرضت في ندوة المركز، يوجد 29 ألف عقار مصنَّف «قابلًا للانهيار الفوري»، منها 24 ألفًا في الإسكندرية وخمسة آلاف في القاهرة، حوادث الانهيارات المتكررة التي شهدتها المحافظتان خلال الأسبوعين الماضيين تعيد التذكير بالثمن الباهظ للمماطلة التشريعية، وتدق ناقوس الخطر بشأن سلامة ملايين السكان.
مشروع القانون الجديد: إصلاح مأزوم أم أزمة مؤجَّلة؟
ينصّ المشروع المعروض على البرلمان على فترة انتقالية مدتها سبع سنوات تُنهى بعدها العلاقة التعاقدية القديمة. غير أنّه يفتقر – في رأي الخبراء – إلى آليات واضحة للتمديد أو «الخروج الآمن» للمستأجرين غير القادرين، ولا يميّز بين حالات متباينة مثل من دفع «خلوّ رجل» باهظًا أو من استأجر الوحدة منذ عقود بعقد عادي. كما يُحيل تفاصيل حاسمة – كالضوابط والمعايير الفنية لتقدير القيمة الإيجارية – إلى لائحة تنفيذية لم يطّلِع عليها البرلمان بعد.
عبلة عبد اللطيف، المديرة التنفيذية للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، ترى أنّ «التشريع المطروح يقدّم حلولًا عامة لمشكلة شديدة التعقيد، ويغامر بتوسيع هوّة عدم الثقة بين الدولة والأطراف المعنيّة إذا لم تُسبَق إقراره بحوار مجتمعي واسع وخريطة دعم مالي واضحة».
عدالة قانونية أم عدالة اجتماعية؟
يطرح الجدل الدائر مسألة الموازنة بين حق الملكية وحق السكن.
الملاك يشكون من حرمانهم لعقود من عوائد أصولهم العقارية، ويطالبون بتعويض أو جدول زمني قصير للتحرير الكامل.
في المقابل، المستأجرون – ولا سيما كبار السن وذوي الدخل المحدود – يخشون أن تتحوّل زيادات الإيجار المرتقبة إلى «حكم إخلاء جماعي» يعجزون عن تحمّله.
زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق، يصف القضية بأنّها «نموذج لتصادم مفهومَي العدالة القانونية والاجتماعية»، مؤكدًا أن أي حلّ لا بد أن يقوم على دعم موجَّه بدقة للفئات الهشّة، وتحفيز الملاك في الوقت ذاته على صيانة العقارات والاستثمار في المباني التاريخية.