بينما يواصل النظام الانقلابي في مصر، بقيادة عبد الفتاح السيسي، التنصل من مسؤولياته، وجد سائق شاحنة نفسه في قلب مأساة إنسانية راح ضحيتها 18 فتاة من محافظة المنوفية، الحادث الذي هز الرأي العام، أعاد إلى الواجهة تساؤلات خطيرة حول البنية التحتية، وسوء التخطيط، والفوضى الإدارية في ظل حكم العسكر، خاصة في قطاع النقل الذي يديره الفريق كامل الوزير منذ سنوات، وسط وعود لا تتحقق وأزمات تتفاقم.
كارثة المنوفية.. 18 زهرة في مقتبل العمر إلى المقابر
في صباح يوم الخميس 20 يونيو 2024، اصطدمت شاحنة نقل ثقيلة (تريلا) كانت محمّلة بمواد بناء، بسيارة ميكروباص تقل طالبات وسيدات عاملات من قرية "الكمشكين" بمركز الباجور في محافظة المنوفية، على الطريق الإقليمي الجديد، لقيت 18 فتاة مصرعهن في الحال، بينما أصيب 4 أخريات بإصابات خطيرة.
وقد كشفت تقارير الطب الشرعي أن معظم الوفيات حدثت نتيجة تهشم الجمجمة أو نزيف داخلي شديد، ما يدل على شدة الاصطدام وسرعة التريلا، في طريق يُفترض أنه مؤمّن ومجهز بإشارات مرورية وكاميرات مراقبة، وهو ما لم يكن متوفراً.
من هو سائق التريلا؟ بين التهم القضائية وظروف الواقع
بعد ساعات من الحادث، أعلنت النيابة العامة المصرية القبض على سائق التريلا ويدعى "أحمد ع.م"، ويبلغ من العمر 39 عامًا. ووفق بيان النيابة الصادر في 27 يونيو، تم عرض السائق على التحقيقات وهو في حالة نفسية سيئة، حيث بكى أثناء استجوابه قائلاً: "أنا مش قاتل... الطريق كان مظلم ومفيش علامات".
النيابة وجّهت له تهمة "القتل الخطأ الناتج عن الإهمال وعدم مراعاة قواعد المرور"، وأمرت بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيق. وتم نشر صور السائق أثناء عرضه على النيابة، حيث ظهر منهكًا، محاطًا بحراسة أمنية مشددة، ما أثار موجة من الجدل والتعاطف على مواقع التواصل الاجتماعي.
هل السائق مذنب وحده؟
الطريق الإقليمي الذي شهد الحادث تم افتتاحه عام 2018 بتكلفة تجاوزت 8 مليارات جنيه، وكان من المفترض أن يخفف الضغط عن الطرق الرئيسية ويحد من الحوادث، إلا أن هذا الطريق، كسابقه من مشروعات "الشو الإعلامي"، افتقر منذ البداية إلى أساسيات السلامة المرورية.
الناشط الحقوقي "خالد علي" كتب عبر صفحته الرسمية: "اللي حصل في حادث المنوفية مش غلطة سواق بس، دي جريمة دولة سايبة الطرق من غير إنارة ولا إشارات، ولا رقابة على الحمولة، وبتصدر مشروعات وهمية بدون صيانة".
وأشار تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في 2023 إلى أن أكثر من 7,000 شخص لقوا مصرعهم في حوادث طرق خلال العام، بزيادة 13% عن العام السابق، رغم تصريحات الحكومة المتكررة عن "تطوير البنية التحتية".
كامل الوزير.. الجنرال الذي لا يُحاسب
يتصدر كامل الوزير، وزير النقل، المشهد منذ تعيينه في مارس 2019 بعد إقالة هشام عرفات على خلفية حادث قطار محطة مصر الشهير، ومنذ توليه، تكررت الحوادث الكارثية، من تصادمات القطارات إلى انقلاب الأتوبيسات، وصولًا لحادث تريلا المنوفية، دون أن يُحاسب أو يقدم استقالته كما تقتضي المعايير الدولية للمسؤولية السياسية.
وفي تصريح متلفز بعد الحادث بأيام، قال الوزير: "السائق كان متهورًا ولم يلتزم بالحارة المرورية"، تصريح اعتبره الكثيرون تهربًا من المسؤولية، ومحاولة لإلقاء اللوم على العامل البسيط، دون مساءلة حقيقية لمشروعات الطرق التي تُدار بدون كفاءة أو رقابة.
محاولة تحميل السائق كامل الجريمة
السلطات سعت سريعًا إلى توجيه الأنظار نحو السائق كالمسؤول الوحيد عن الحادث، في سيناريو أصبح معتادًا في عهد السيسي: تحميل المواطن البسيط فشل المنظومة بأكملها، وتم تسريب صور السائق أثناء عرضه على النيابة، في ما وُصف بأنه "تشويه متعمد" لصرف الانتباه عن الفساد والإهمال في إدارة الطرق.
على النقيض، لم يتم فتح أي تحقيق رسمي في مسؤولية الهيئة العامة للطرق والكباري أو وزارة النقل عن انعدام الإنارة أو غياب إشارات التحذير أو الرقابة على الشاحنات المحملة.
وبينما تستعد أسر الفتيات لدفن أحبائهن، تواصل الحكومة تقديم الأكاذيب، وتغلق ملفات الحوادث بدون علاج جذري، الحادث المأساوي في المنوفية ليس الأول، ولن يكون الأخير في ظل إدارة عسكرية ترى في حياة المواطنين مجرد أرقام في نشرات إخبارية.