وزير لا يُمس رغم الكوارث المتلاحقة
منذ أن قرر عبد الفتاح السيسي تعيين الفريق كامل الوزير وزيرًا للنقل في مارس 2019، عقب كارثة محطة مصر التي راح ضحيتها 31 شخصًا، لم تتوقف حوادث السكك الحديدية أو الطرق، بل شهدت مصر تحت قيادة الوزير العسكري أكبر سلسلة من الكوارث في تاريخ النقل الحديث، سواء على قضبان السكك الحديدية أو طرق الموت الممتدة من شمال مصر إلى جنوبها، ورغم ذلك، لا تزال يد السيسي متمسكة به، وكأنه وزير محصن من المحاسبة.
كم ضحايا الطرق في مصر؟
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن حوادث الطرق في مصر تحصد أرواح آلاف المواطنين سنوياً، في عام 2024، بلغ عدد المتوفين في حوادث الطرق 5260 شخصاً، فيما سجل عدد الإصابات 76362 إصابة، بزيادة نسبتها 7.5% مقارنة بعام 2023 الذي سجل 71016 إصابة.
محافظة الدقهلية سجلت أعلى عدد إصابات بين المحافظات المصرية، مما يدل على تفاقم أزمة السلامة المرورية في البلاد.
ضحايا السكك الحديدية.. الدم على القضبان
منذ 2019 وحتى منتصف 2025، تشير البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وتقارير حقوقية إلى وقوع أكثر من 1,650 حادث قطار، تسببت في مقتل ما لا يقل عن 290 مواطنًا، وإصابة ما يتجاوز 1,300 شخص.
أبرز هذه الحوادث:
- مارس 2020: تصادم قطارين في إمبابة.
- أبريل 2021: فاجعة سوهاج التي أودت بحياة 20 قتيلًا و165 مصابًا.
- مارس 2023: خروج قطار قليوب عن مساره، ومقتل 4 أشخاص.
- نوفمبر 2024: حادث تصادم جرار مع عربة في أسيوط أسفر عن 8 قتلى.
وعلى الرغم من هذه الكوارث المتكررة، لم يقدم كامل الوزير استقالته، ولم تتم مساءلته برلمانيًا، واكتفى النظام بإلقاء اللوم على "الخطأ البشري"، كما هو معتاد في الخطاب الرسمي المراوغ.
ضحايا الطرق.. مصر الأولى في العالم في حوادث السير
أما على طرق مصر، فالمأساة أعظم، مصر سجلت واحدة من أعلى نسب الوفيات في حوادث الطرق عالميًا، وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2023، تحتل مصر مرتبة متقدمة عالميًا بمعدل 42 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة.
منذ 2019 وحتى 2025:
- إجمالي ضحايا الطرق تجاوز 14 ألف قتيل.
- الإصابات فاقت 70 ألفًا، بينهم حالات إعاقة دائمة.
حوادث الباصات المدرسية، واصطدامات النقل الثقيل، وتدهور الحالة الفنية للطرق، جميعها علامات على فشل واضح في منظومة النقل البري، ومع ذلك، يواصل كامل الوزير إطلاق التصريحات التجميلية عن "محاور التنمية" و"شبكات الطرق الذكية"، دون نتائج ملموسة على أرض الواقع سوى المزيد من النعوش.
مليارات مهدورة وقروض بلا عائد
بحسب تصريحات رسمية، فإن ميزانية وزارة النقل تحت قيادة كامل الوزير شهدت تضخمًا غير مسبوق:
- الإنفاق الإجمالي من 2019 إلى 2025 تخطى 2 تريليون جنيه مصري، معظمها موجه إلى مشروعات الطرق والكباري.
- القروض تجاوزت 12 مليار دولار، منها:
- 4.5 مليار دولار للقطار الكهربائي (من الصين).
- 2 مليار يورو لمترو أنفاق القاهرة (من فرنسا وألمانيا).
- 1.5 مليار دولار لتحديث سكك الحديد (من البنك الدولي ومصادر أخرى).
لكن رغم هذا الإنفاق الضخم، لا تزال السكك الحديدية متهالكة، والطرق قاتلة، والنقل العام متدهور، والمواطن يتحمل نتائج سوء الإدارة عبر رفع أسعار التذاكر والخدمات.
لماذا يتمسك به السيسي رغم فشله الفاضح؟
السؤال الذي يتردد في كل شارع ومقهى ومنشور على مواقع التواصل: لماذا لا يُقال كامل الوزير؟ لماذا يُعامل وكأنه فوق القانون والدستور؟
الإجابة تُختصر في 3 عوامل رئيسية:
- الولاء العسكري المطلق: كامل الوزير جنرال مقرب من السيسي منذ أن عملا سويًا في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وهو يُعتبر من "رجال المؤسسة" الموثوق بهم.
- الدور الأمني الخفي: يشرف الوزير على مشروعات حيوية تُدار بعيدًا عن الرقابة المالية، مثل مشروعات الطرق العسكرية، وربط المحافظات بشبكات استراتيجية تُستخدم في التحكم الأمني والسياسي.
- الشو الإعلامي والمشروعات الشكلية: رغم الفشل، استطاع الوزير فرض صورة إعلامية مزيفة عن "ثورة تطوير" وهمية، تُضخ فيها المليارات لتجميل واجهة النظام أمام المؤسسات الدولية، دون تحسين فعلي لحياة المصري.
خطاب السيسي.. حماية مباشرة ومكشوفة
في مؤتمر صحفي عقده في يوليو 2022، صرّح السيسي: الفريق كامل الوزير من أكثر الناس شغلاً وإخلاصًا.. محدش يجي ناحيته."
تصريح صريح وواضح، يدل على أن بقاء الوزير ليس مشروطًا بالأداء أو النتائج، بل بالثقة الرئاسية فقط، وهي الثقة التي يبدو أنها تعلو على دماء المصريين أنفسهم.
التجاهل الإعلامي
رغم كل هذا، يغيب صوت البرلمان، ويتم تجاهل المطالب الشعبية بإقالة الوزير، ويواصل الإعلام الموالي للنظام تبرير الكوارث أو تغطيتها بمشروعات "تطويرية"، وفي كل مرة يخرج الوزير ليتحدث عن "العامل البشري" كسبب للحوادث، متناسيًا أنه المسؤول الأول عن منظومة فاسدة ومتهالكة ومليئة بالإهمال.
وزير القروض والقبور
كامل الوزير لم يأتِ إلى وزارة النقل بخطة تطوير حقيقية، بل جاء ليكون واجهة عسكرية تُغطي على فشل النظام في توفير أبسط حقوق المواطنين: النقل الآمن، ومع تزايد عدد القتلى والديون، يتحول بقاؤه في المنصب إلى وصمة عار في جبين السلطة، ودليل دامغ على أن حياة المصريين تُدار كأنها أرقام لا قيمة لها.
إن تمسك السيسي بكامل الوزير هو تمسك بنموذج النظام كله: قمع، فشل، فساد، وانعدام للمحاسبة، وفي دولة يحكمها الانقلاب لا يُحاسَب فيها المسؤول، بل يُكافأ كلما فشل أكثر وخدم السلطة أكثر، حتى لو على حساب أرواح الأبرياء.