في خطوة تعكس حجم التحديات التي تواجهها حكومة السيسي، أعلنت السلطات، اليوم الاثنين، العودة إلى تطبيق حالة الطوارئ في قطاع الكهرباء، بالتزامن مع استئناف العمل في الأسواق الشعبية والمحال التجارية بعد عطلة عيد الأضحى. وتقرر البدء بتطبيق نظام تخفيف الإنارة في الشوارع والأماكن العامة، في محاولة لاحتواء أزمة متصاعدة في إمدادات الطاقة.
ويأتي هذا التراجع بعد أيام قليلة فقط من تصريحات لرئيس مجلس وزراء حكومة السيسي، الدكتور مصطفى مدبولي، أكد فيها التزام الحكومة بعدم المساس بخطة إنتاج الكهرباء خلال صيف 2025. لكن التطورات الإقليمية، وعلى رأسها الحرب الإسرائيلية الإيرانية، فرضت وقائع جديدة أضعفت قدرة الدولة على الالتزام بتلك التعهدات.
شراء مازوت بمليار دولار
وتسببت الحرب في توقف إمدادات الغاز الإسرائيلي إلى مصر، في وقت تعاني فيه محطات التغويز في موانئ السويس والإسكندرية من مشكلات فنية حالت دون توفير البدائل السريعة من الغاز الطبيعي المسال.
وأمام هذا النقص الحاد، اضطرت الحكومة إلى اللجوء للأسواق الفورية والدول المجاورة لشراء شحنات عاجلة من المازوت بقيمة تُقدّر بمليار دولار، لتشغيل محطات الكهرباء العاملة بنظام الوقود المزدوج (المازوت والغاز)، وضمان عدم خروجها عن الخدمة خلال النصف الثاني من عام 2025، وهي الفترة التي تتسم بارتفاع كبير في استهلاك الطاقة بسبب حرارة الصيف والطلب المتزايد على التكييفات.
هذا القرار يعكس تحولا طارئًا في السياسات الحكومية، ويضع المواطنين والقطاعات الاقتصادية أمام صيف صعب قد يشهد انقطاعات متكررة وتحديات في استهلاك الطاقة، وسط مخاوف من تداعيات اقتصادية أوسع نتيجة الأزمة الجيوسياسية الإقليمية.
تخفيض إنارة الشوارع
وعمّمت الحكومة منشوراً على جميع الوزارات والمحافظات تطالب فيه بتخفيض إنارة الشوارع والطرق والمحاور الرئيسية بنسبة 60%، وفصل الكهرباء والأجهزة التي تستهلك الطاقة في المباني الحكومية، اعتباراً من الساعة الثامنة مساءً يومياً. كما شددت على ضرورة قيام الموظفين بفصل أجهزة التكييف قبل مغادرة مكاتبهم، ومنعت تشغيل لوحات الإعلانات المضاءة على الطرق خلال ساعات الذروة في استهلاك الطاقة، من الساعة 9 إلى 12 مساءً.
وألزمت القرارات الإدارات المحلية بإغلاق المحال التجارية في تمام الساعة 11 مساءً طوال أيام الأسبوع، باستثناء ليلة الجمعة والعطلات الرسمية حيث يمتد العمل حتى منتصف الليل. كما تم فرض خفض الإنارة العامة في الميادين والمساجد ودور العبادة، وبعض المحال خلال ساعات النهار، واتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية التي من شأنها الإسهام في ترشيد فعال لاستهلاك الطاقة.
رغم التحسن النسبي في درجات الحرارة، إلا أن وزارة الكهرباء في حكومة الانقلاب تستعد لمواجهة زيادة كبيرة في معدلات استهلاك الكهرباء، والتي يُتوقّع أن تبلغ ذروتها خلال أشهر الصيف، من يونيو وحتى نهاية أغسطس، حيث تشير التقديرات إلى أن الاستهلاك اليومي قد يصل إلى 38 جيجاوات. هذا الارتفاع يمثل زيادة بنسبة 25% في الطلب على المحروقات داخل محطات التوليد، مقارنةً بمعدلات الاستهلاك خلال الفصول المعتدلة.
وفي إطار الاستعداد لهذه الزيادة، كلفت وزارة التنمية المحلية المحافظين بتشكيل لجان فنية للعمل الميداني على مدار الساعة لمتابعة تنفيذ خطة ترشيد استهلاك الكهرباء في الشوارع والمباني الحكومية والوحدات المحلية، وهي الخطة نفسها التي طُبّقت في صيفي 2023 و2024 في ظل أزمة نقص المحروقات، والتي تسببت حينها في انقطاع التيار الكهربائي بالتناوب بين الأحياء لفترات تراوحت بين ساعتين وثلاث ساعات يومياً.
عجز في إمدادات الغاز المحلي
من جانبها، اتخذت وزارة البترول قرارات صارمة في توزيع المحروقات، حيث حصرت التوريد على قطاعات بعينها، تشمل محطات الكهرباء، والمنازل، والمخابز المنتجة للخبز المدعوم. وتم تعليق إمدادات الوقود للعديد من القطاعات الصناعية، بما في ذلك مصانع الأسمدة، والبتروكيماويات، ومواد البناء، والمحاجر. كما تم توجيه تحذيرات إلى شركات الحديد التي تعتمد على الغاز الطبيعي، بإمكانية تخفيض حصصها لمدة أسبوعين، على أن يُعاد تقييم الوضع وفق تطورات الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران.
وأكد مصدر رفيع بوزارة البترول أن العجز في إمدادات الغاز المحلي بلغ نحو 45%، مرجعاً السبب الرئيسي إلى التراجع الحاد في إنتاج حقل ظهر، الذي انخفض إنتاجه بنسبة 60% مقارنة بمستويات عام 2021. وتسعى الوزارة لسد الفجوة من خلال استيراد الغاز المسال من السوق الفورية، مع توقّعات بوصول نحو 160 شحنة خلال عام 2025. كما تم الاعتماد بشكل مكثف على المازوت لتشغيل محطات الكهرباء، لتعويض توقف تدفق الغاز الإسرائيلي، الذي كانت مصر تتسلم منه ما يقارب 850 مليون قدم مكعبة يومياً.
وتجد الحكومة نفسها في موقف معقد، مع تزايد الضغوط المزدوجة من الداخل والخارج. فارتفاع أسعار النفط العالمية يومياً نتيجة التصعيد العسكري في المنطقة يزيد من تكلفة شراء الطاقة من السوق الفورية، وهو ما يهدد قدرة الدولة على الالتزام بالسقف السعري الذي حددته وزارة البترول مسبقاً عند 14 دولاراً للمليون وحدة حرارية. ويثير هذا الوضع قلقاً من احتمال فشل الدولة في تنفيذ العقود التي تم توقيعها مع الشركات الدولية خلال مزايدات مايو 2025، ما يفتح الباب أمام أزمة أوسع في ملف الطاقة خلال الشهور القادمة.