أعلنت النقابة العامة للأطباء عن فتح باب الترشح للانتخابات في ٢٠ يونيو ٢٠٢٥، وتستمر حتى ٣٠ يونيو، استقبالًا من التاسعة صباحًا حتى التاسعة مساءً، سيُعلن عن الأسماء الأولية في ٧ يوليو، يليها تقديم الطعون بين ١٠ و١٥ يوليو، ثم إجازة الطعون وإعلان القائمة النهائية في ٢٠ يوليو؛ بعدها يبدأ باب التنازلات من ٢٣ إلى ٢٨ يوليو، وتُغلق القائمة النهائية في ١٠ أغسطس.
وُجِّهت التظاهرة الانتخابية إلى أكتوبر ٢٠٢٥، بعد إغلاق باب الترشح، لتجديد نصف مقاعد مجالس النقابات الفرعية والعامة ونقبائهم، ويتنافس المرشحون ضمن فئات "فوق أقل من ١٥ سنة قيد" و"فوق"، وتحظى مقاعد القاهرة والإسكندرية بسقف أعلى (٤ بدلاً من المقعدين المعتادين).
شروط المشاركة والإشراف
يشترط أن يكون المرشح:
- مسجلاً في النقابة الفرعية المعنية
- موقّعًا على اشتراكات حتى نهاية ٢٠٢٤
- مرفقًا بطلب الترشح مستوفيًا البيانات (الاسم، جهة العمل، رقم الكارنيه، إلخ)
يُجرى التقديم حضوريًا أو عبر وكيل موثق أو البريد الرسمي، وتشرف على العملية لجنة منتخبة من أعضاء مجلس النقابة، بحضور قضائي وتحت إشراف النيابة ومؤسسات مجتمع مدني.
السياق السياسي.. بالون اختبار للمعادلة الحكومية
تُعد هذه الانتخابات اختبارًا جديدًا لرغبة الطب المهني في تغيير التوازن النقابي، وذلك في ظل حكم السيسي المستبد الذي يسعى لتوطيد سلطته من خلال النقابات المهنية، فقد كشفت تقارير سابقة أن الانتخابات ستكون "بالون اختبار" قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، لتقويم توازن القوى بين التيار الرسمي (الموالي) والمعارض.
وفي السنوات الأخيرة فازت بعض الهيئات النقابية بمرشحين معارضين أو مستقلين، كما كان الحال في نقابة الصحافيين عام ٢٠٢٤ التي اختارت خالد البلشي على مرشح الحكومة، ويرى محللون أن نجاح المعارضة في نقابة الأطباء قد يُشكّل نكسة جديدة لـ"تيار المستقبل" الموالي للسلطة.
الأطراف المرشحة تُظهر الخطوط التصعيدية
يتنافس التيار الحكومي، المعروف بـ"تيار المستقبل"، بدعم غير مباشر من الدولة، ويعد الدكتور أسامة عبدالحي أبرز وجوهه، حيث قاد القائمة في انتخابات ٢٠٢٣، وحصل على مستويات عالية من الأصوات في محافظات مثل الفيوم (656 مقابل 276 لمنافسه)، القليوبية (313 مقابل 206).
ومن الجهة الأخر، جاءت قائمة الاستقلال التي يقودها الدكتور إيهاب الطاهر، المؤيد للمعارضة، ومؤكدًا أن تلك القائمة "بعيدة عن أي توجه سياسي أو ديني"، يُحسب على "الاستقلال" تحذيره من التسييس الزائد ودعمه لتركيز الانتخابات على القضايا المهنية فقط.
يرجح أن يتنافس في الانتخابات الأولى ٤ إلى ٩ مرشحين على مقعد النقيب العام، بينهم مرشحون محسوبون على الحكومة، ومرشحون يحاولون تقديم أنفسهم كممثّلين حقيقيين للمعارضة الأطباء.
الرفض والمقاطعة من قبل المعارضة النقابية
على الرغم من هذه الإجراءات، أعلنت قائمة "الاستقلال" النقابية المعارضة بشكل رسمي مقاطعتها للانتخابات، معللة ذلك بعدم توفر الظروف المهنية والتشريعية الملائمة للعمل النقابي الحر، ورفضها لما وصفته بـ"الضغوط الكبيرة" التي تمارسها السلطات على المرشحين المستقلين.
وأكدت الدكتورة منى مينا، الوكيلة السابقة للنقابة وعضو بارز في قائمة الاستقلال، أن قرار المقاطعة جاء نتيجة إحساسها بأن أصدقاءها وداعميها سيواجهون ضغوطًا كبيرة خلال المعركة الانتخابية، وهو ما يعكس حالة القمع التي تعاني منها النقابات المهنية في مصر تحت حكم السيسي.
تجدر الإشارة إلى أن قائمة الاستقلال تمثل تيارًا نقابيًا معارضًا للنظام، وتتمتع بتاريخ نضالي في الدفاع عن حقوق الأطباء، حيث سبق أن رفضت النقابة قرارات حكومية مثيرة للجدل، مثل بيع جزيرتي تيران وصنافير، واحتجاجات ضد اعتداءات الشرطة على الأطباء، بالإضافة إلى رفضها اتهامات الحكومة للأطباء بالتقاعس خلال جائحة كورونا.
كما شهدت السنوات الماضية موجة هجرة واسعة للأطباء من مصر، إذ تشير تقديرات المركز المصري للدراسات الاقتصادية إلى هجرة نحو 7 آلاف طبيب منذ بداية جائحة كورونا عام 2020، بسبب تردي الأوضاع الصحية والاقتصادية.
دوافع المعارضة.. تحسين الشروط المهنية ومواجهة الهيمنة
ينطلق معارضو السيسي من خلفيات مجردة لحقوق الأطباء وتحسين بيئة العمل:
- استنكار قيود السفر المفروضة على هجرة الأطباء، ووصفها بأنها "غير دستورية" ومظهرة لتجاهل جذور المشكلة.
- الاعتراض على تسييس النقابات واعتبار الخيارات النقابية تصب في صالح الدولة.
- المدافعين عن الاستقلال يرون في النقابة صوتًا للمعارضة المهنية وهي الساحة الأخيرة للتعبير.
وهم يطالبون بتفعيل قانون "المسؤولية الطبية"، تحسين الأجور، إجراءات دفاعية قوية ضد ملاحقة الأطباء، وضمان استقلال النقابة كجسم مهني بعيد عن أي تدخل حكومي مباشر.
تداعيات متوقعة
- نجاح تيار المستقبل سيعزز هيمنة السلطة على النقابات المهنية، ويُعد بمثابة إنذارا مبكّراً لقمع أي معارضة ضمن مؤسسات المجتمع المدني.
- انتصار الاستقلال أو قوائم المعارضة سوف يفتح الطريق للمزيد من الضغط على الحكومة، خصوصًا قبل انتخابات البرلمان والرئاسة، ودفع باتجاه تحسين الأوضاع المهنية ورفع النقابات كحاضنة لأصوات الطب الشاب.
- في أسوأ السيناريوهات، قد تؤدي الانتخابات إلى تصعيد عدائي بين التيارات؛ لكن الجوع والاضطرابات الاقتصادية يدفعان الكثير من الأطباء للخوف من محاولة التورط في صراع مباشر مع الدولة، ويفضّلون الحياد أو الانحياز الرسمي.
توصيات الباحثين والمراقبين
يرى باحثون في المركز المصري للدراسات الاقتصادية ومنظمات حقوق الإنسان أن الحاجة ملحة لإصلاحات جذرية في النظام النقابي الطبي، تشمل ضمان انتخابات حرة ونزيهة، وحماية حقوق الأطباء في التعبير والتنظيم، وتحسين ظروف العمل الصحية والاقتصادية لهم، كما يحذرون من أن استمرار سياسات القمع والهيمنة ستؤدي إلى مزيد من التدهور في المنظومة الصحية، مع تداعيات خطيرة على صحة المواطنين ومستقبل القطاع الطبي في مصر
ويمكن التوصل إلى أنه؛ تشكل انتخابات التجديد النصفي 2025 لنقابة الأطباء منعطفًا حاسمًا يعكس الصراع بين تيارات المعارضة والنظام في مصر، حيث تتشابك القضايا المهنية مع السياسية في ظل بيئة قمعية تحد من حرية التعبير والعمل النقابي. ومع استمرار مقاطعة قوى المعارضة وتقدم مرشحي النظام، تبدو النقابة أمام تحديات كبيرة للحفاظ على استقلاليتها وقدرتها على الدفاع عن حقوق أعضائها، في وقت تتزايد فيه حاجة المجتمع المصري إلى منظومة صحية قوية ومستقلة.