تمثل المنشآت النووية والنفطية في إيران عماد قوتها الاستراتيجية والاقتصادية، لكنها في الوقت ذاته، مصدر توتر دائم مع الغرب ودول الجوار، فمنذ الثورة الإيرانية عام 1979، سعت طهران لامتلاك برنامج نووي يُمكنها من تعزيز سيادتها، وفي موازاة ذلك، اعتمد اقتصادها بشكل شبه كلي على عائدات النفط، ما جعل تلك المنشآت أهدافًا للتهديدات والضغوط والعقوبات والهجمات السيبرانية.
المنشآت النووية:
المنشآت النووية الرئيسية في إيران (3 منشآت تخصيب رئيسية)
1. منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم
o تقع على بعد 220 كيلومتراً جنوب شرقي طهران في محافظة أصفهان.
o تعتبر القاعدة الرئيسة لتخصيب اليورانيوم في إيران، وتضم أكبر عدد من أجهزة الطرد المركزي (تستوعب تشغيل 54 ألف جهاز).
o جزء كبير منها تحت الأرض (40-50 متر عمق) لحمايتها من الهجمات الجوية.
o تعرضت لهجمات تخريبية عدة، منها فيروس ستاكس نت عام 2010، وهجمات تخريبية نُسبت لإسرائيل.
o إيران بنت شبكة أنفاق محصنة جنوب المنشأة لتعزيز الحماية.
o تُعرف أيضاً باسم منشأة "الشهيد مصطفى أحمدي روشن" نسبة للعالم النووي الإيراني الذي اغتيل عام 2012.
2. منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم
o تقع على بعد نحو 100 كيلومتر جنوب غربي طهران، داخل جبال منطقة فوردو بمحافظة قم.
o منشأة محصنة للغاية، تقع على عمق 90 متراً داخل الجبال، مما يجعلها صعبة الاستهداف.
o بدأت أعمال البناء على الأقل عام 2007، وأعلنت إيران وجودها رسمياً عام 2009 بعد كشفها من أجهزة استخبارات غربية.
o تستخدم أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم بدرجات نقاء مختلفة، وبدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% فيها عام 2011.
o خضعت لقيود في اتفاق 2015 لكنها عادت للتخصيب بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018.
o إيران أعلنت مؤخراً إنشاء محطة جديدة لتخصيب اليورانيوم في مكان آمن، ليصبح عدد منشآت التخصيب ثلاث.
3. محطة بوشهر النووية
o تقع في مدينة بوشهر على الساحل الجنوبي للبحر العربي، على بعد نحو 750 كيلومتراً جنوب طهران.
o المحطة النووية التجارية الوحيدة لإيران، بدأت في عهد الشاه منتصف السبعينيات، وأُكملت بمساعدة روسيا.
o تزود بالوقود النووي من روسيا وتخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
o تعمل كمفاعل مدني لإنتاج الكهرباء وليس لتخصيب اليورانيوم أو إنتاج الأسلحة.
في نوفمبر 2022، أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أن إيران رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60%، وهي نسبة قريبة جدًا من مستوى تصنيع الأسلحة النووية (90%).
ووفق تقرير صادر عن الوكالة في مايو 2023، فإن إيران تمتلك أكثر من 114 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو ما يكفي لصنع قنبلة نووية واحدة على الأقل.
المنشآت النفطية.. عملاق هش تحت ضغط العقوبات
إيران تمتلك ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم، ورابع أكبر احتياطي نفط. أهم منشآتها النفطية تشمل:
• حقل بارس الجنوبي: أكبر حقل غاز في العالم، مشترك مع قطر، ينتج أكثر من 600 مليون متر مكعب يوميًا.
• شركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC): تدير أكثر من 30 حقلًا نفطيًا وغازيًا، ويُقدّر إنتاجها الحالي بـ 2.9 مليون برميل يوميًا (مايو 2025)، مقارنة بـ 3.8 مليون قبل العقوبات الأمريكية في 2018.
• مصفاة عبدان: إحدى أقدم وأكبر المصافي في الشرق الأوسط، تعرضت لتفجيرات متكررة منذ 2022، آخرها في فبراير 2024، وأعلنت "جماعة الأحواز" مسؤوليتها عنها.
أبرز المنشآت النفطية الرئيسية في إيران
حقل أزادغان النفطي
o يقع قرب الحدود العراقية، ويُعد من أكبر حقول النفط البرية في إيران.
o تهدف إيران إلى رفع الإنتاج فيه من 205,000 إلى 550,000 برميل يومياً خلال 20 سنة.
o جزء من خطة تطوير واسعة لزيادة الإنتاج النفطي بمقدار 350,000 إلى 400,000 برميل يومياً.
• مصفاة أبادان
o تقع في جنوب غرب إيران، وتبلغ طاقتها التكريرية حوالي 700,000 برميل يومياً.
o تعد من أقدم وأكبر المصافي في إيران، وتلعب دوراً أساسياً في تكرير النفط الخام وتحويله إلى منتجات نفطية.
• مصفاة تبريز
o تقع في شمال غرب إيران، بطاقة تكريرية تبلغ حوالي 110,000 برميل يومياً.
o تخدم المناطق الشمالية الغربية وتساهم في تلبية الطلب المحلي على المنتجات النفطية.
• مشاريع تطوير أخرى
o تشمل عقود تطوير مع شركات محلية لرفع الإنتاج وتحسين جودة التكرير.
• تستهدف زيادة الصادرات إلى الأسواق الآسيوية والأفريقية واللاتينية بأسعار تنافسية رغم العقوبات
في ظل العقوبات الأمريكية، وخاصة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، تراجع تصدير النفط الإيراني من 2.5 مليون برميل يوميًا إلى أقل من 400 ألف برميل في بعض الأشهر، ما أدى إلى أزمة عملة وتضخم تجاوز 50% في 2021، حسب تقديرات البنك المركزي الإيراني.
الهجمات السيبرانية والتخريبية.. ساحة حرب غير معلنة
باتت المنشآت النووية والنفطية الإيرانية ساحة مفتوحة للهجمات السيبرانية، ففي يوليو 2020، دمر هجوم إلكتروني قسمًا من منشأة نطنز، واتهمت إيران إسرائيل وأجهزة استخبارات غربية بالوقوف وراءه، كما أعلن قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، في ديسمبر 2023، أن "الحرب السيبرانية ضد منشآتنا مستمرة على مدار الساعة"، مضيفًا أن "أكثر من 80 محاولة اختراق أُحبطت في عام واحد فقط".
من جهة أخرى، تشهد منشآت النفط هجمات داخلية تنسبها إيران لمجموعات انفصالية مدعومة من الخارج، أبرزها "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز"، التي تبنت عدة هجمات على خطوط أنابيب ومصافي جنوب إيران.
الردود السياسية والعسكرية..
القيادة الإيرانية توظف هذه المنشآت كأوراق ضغط في المفاوضات الدولية، ففي يوليو 2022، صرح علي باقري كني، كبير المفاوضين النوويين، أن "القدرات النووية الإيرانية أصبحت خارج إطار التفاوض"، محذرًا من أن "أي هجوم على منشآتنا سيقابل برد غير مسبوق".
وفي المقابل، دعا وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في أبريل 2024 إلى "توجيه ضربات استباقية ضد نطنز وفوردو إذا لزم الأمر"، فيما حذرت إدارة بايدن من أن "الخيار العسكري على الطاولة إذا فشلت الدبلوماسية".
تداعيات اقتصادية وجيوسياسية
الضغط المتواصل على هذه المنشآت أدى إلى اضطراب السوق الإيراني، إذ ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الريال من 42,000 في 2018 إلى ما فوق 600,000 في مايو 2025، وفق بيانات بنك إيران المركزي، كما اضطر النظام لزيادة صادراته النفطية "السرية" عبر وسطاء إلى الصين وسوريا، ما أفقده نسبة تصل إلى 20% من العائدات بسبب الخصومات وخسائر الشحن.
وفي السياق الجيوسياسي، ساهمت الهجمات على المنشآت النووية والنفطية في تعزيز تقارب إيران مع الصين وروسيا، عبر اتفاقيات استثمار طويلة الأمد، ففي مارس 2021، وقّعت طهران اتفاقًا استراتيجيًا مع بكين بقيمة 400 مليار دولار لمدة 25 سنة، يشمل تطوير البنية التحتية للطاقة.
تظل المنشآت النووية والنفطية الإيرانية قلب الصراع بين الطموح الاستراتيجي والضغوط الدولية، بين الاستثمار والتخريب، وبين التصعيد والحصار. وبينما تُصر طهران على أنها تدافع عن "حقها السيادي"، يرى خصومها أنها تهدد الأمن الإقليمي والعالمي، ما يجعل من كل منشأة فيها قنبلة مؤجلة، قابلة للانفجار في أي لحظة سياسية أو عسكرية مقبلة.