في واحدة من أطول حالات الحبس السياسي في مصر خلال العقد الأخير، لا يزال الناشط والمدوّن المصري علاء عبد الفتاح يقبع خلف القضبان، وسط اتهامات حقوقية متزايدة بأن استمرار احتجازه يعود لأسباب انتقامية شخصية، لا علاقة لها بالقانون أو القضاء.

عبد الفتاح، أحد أبرز رموز ثورة يناير 2011، سُجن مرات عدة منذ وصول قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، وكانت آخر محطاته في السجن قد بدأت عام 2019، بعد اتهامه بـ"نشر أخبار كاذبة"، على خلفية إعادة تغريدة على "تويتر". ومع اقتراب الموعد المفترض لانتهاء محكوميته، في سبتمبر 2024، تبدو آفاق الإفراج عنه غامضة، وسط ترجيحات بإعادة محاكمته أو تمديد حبسه التعسفي.

 

الانتقام الشخصي

تقول منى سيف، شقيقته والناشطة الحقوقية، إن ما يحدث لعلاء يتجاوز فكرة المحاسبة القانونية، ويدخل في نطاق "الانتقام الشخصي" من قبل رئيس الدولة. وتضيف: "منذ 2019 بدأنا نتلقى رسائل غير رسمية بأن ملف علاء أصبح شأنًا شخصيًا بالنسبة للسيسي... الهدف بات سحق روحه، لا محاكمته".

تؤكد شهادات متقاطعة من معتقلين سابقين ونشطاء أن السلطات المصرية تتعامل مع علاء باعتباره رمزًا يجب كسره، لا مجرد مواطن يخضع لعقوبة. الناشط السياسي أحمد دومة، الذي أمضى أكثر من 10 سنوات في السجن، وأُفرج عنه بعفو رئاسي عام 2023، قال إن ثورة يناير تظل العدو الرئيسي للنظام الحالي، وعلاء أحد أبرز وجوهها. ويضيف: "منذ بداية سجني، كنت أنا وعلاء في زنازين انفرادية متقابلة. لم نكن نشك أننا نُستهدف لشخصنا، بل لما نمثّله".

قضى عبد الفتاح أكثر من 1000 يوم في الحبس الانفرادي، دون تواصل بشري حقيقي، وهو ما تعتبره منظمات حقوقية تعذيبًا نفسيًا ممنهجًا. وبحسب مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، فإن الاحتجاز في ظروف قاسية بهذا الشكل يُشكّل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، لا سيما عندما يتم لأسباب سياسية.

خالد علي، محامي عبد الفتاح، أوضح أن الأخير حُكم عليه بالسجن خمس سنوات منذ 2019، وكان من المفترض أن يُفرج عنه في سبتمبر 2024. لكن السلطات القضائية رفضت احتساب فترة حبسه الاحتياطي ضمن مدة العقوبة، ما قد يؤجل خروجه حتى عام 2027، "إن خرج أصلًا"، وفقًا لتعبيره.

 

انتهاكات حقوق الإنسان

ورغم الضغوط الدولية، خصوصًا من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلا أن السلطات المصرية لم تُبد أي استجابة ملموسة. ووفقًا لما نقلته صحيفة "الجارديان"، فإن حكومات غربية حاولت التوسط خلف الكواليس، دون تحقيق أي اختراق، وهو ما يعزوه بعض الحقوقيين إلى غياب أي تكلفة حقيقية تدفعها القاهرة بسبب سجلها في انتهاكات حقوق الإنسان.

وحتى داخل السجن، لا يحصل عبد الفتاح على الحد الأدنى من الحقوق. فعلى الرغم من السماح له مؤخرًا بقراءة الكتب ومشاهدة التلفاز، فإن زنزانته لا تسمح له بالتعرض لأشعة الشمس منذ أكثر من خمس سنوات، كما أن مساحة التمارين الرياضية عبارة عن حفرة خرسانية بلا سقف.

تقول شقيقته: "نحاول فهم حالته النفسية من خلال تواصله معنا. عندما يكون مزاجه جيدًا، يرسل لنا صور القطط التي تبناها في السجن. لكن في الأشهر الأخيرة، لم يعد يفعل ذلك كثيرًا".

وبينما تتدهور صحة والدته في لندن، تظل قضية عبد الفتاح معلقة بين الإهمال الدولي والعناد الرسمي المحلي. وتلخص منى سيف الموقف بالقول: "إنهم يريدون استسلامًا مطلقًا. لا يكفيهم الصمت، بل يريدون محو كل ما يمثّله علاء... حتى متى؟ وما الثمن الذي سيُرضيهم؟".

وفي ظل غياب أي بادرة انفراج، تبقى قصة عبد الفتاح مرآة للواقع الحقوقي في مصر، حيث يُعامل الرأي كجريمة، والمعارضة كخيانة، والرموز كثأر شخصي.