شهد الملف السوري في النصف الأول من عام 2025 تحولات سياسية وأمنية غير مسبوقة، كان أبرزها تحذير المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، من أن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع قد يكون هدفًا للجماعات المتطرفة، وذلك في ظل تغييرات جذرية في الموقف الأمريكي تجاه دمشق.
جاءت هذه التطورات بعد سقوط نظام البعث وتولي الشرع السلطة الانتقالية، بالتزامن مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الدولية والإقليمية.
تحذيرات أمريكية.. الشرع في دائرة الاستهداف
في العاشر من يونيو 2025، صرح المبعوث الأمريكي توماس باراك أن الرئيس السوري أحمد الشرع يواجه تهديدات جدية من قبل الجماعات المتشددة، محذرًا من إمكانية استهدافه بالاغتيال.
وأوضح باراك أن البيئة الأمنية في سوريا لا تزال هشة، وأن الجماعات المتطرفة ترى في الشرع عقبة أمام مشاريعها بسبب توجهاته الجديدة نحو الوحدة الوطنية والاستقلال عن النفوذ الخارجي.
هذا التحذير جاء في وقت حساس، حيث تحاول الإدارة السورية الجديدة ترسيخ الاستقرار بعد سنوات من الحرب والانقسام.
لقاء ترامب والشرع.. لحظة فارقة في العلاقات الدولية
شهد الموقف الأمريكي تحولًا لافتًا، إذ أعلن الرئيس ترامب، هذه التصريحات تمثل تغيرًا جذريًا في الموقف الأمريكي، خاصة أن ترامب كان يعتبر الشرع سابقًا شخصية إرهابية حين كان يتزعم "هيئة تحرير الشام".
في 14 مايو 2025، التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض مع الشرع، ضمن جولته في الشرق الأوسط، وأعلن رفع العقوبات المفروضة على سوريا وإعادة العلاقات المفتوحة تدريجياً ووصف ترامب الشرع بأنه "رجل قوي، شاب وجذاب".
مؤيداً دعوته إلى تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وتولي مسؤولية مراكز احتجاز أسرى داعش، واصفًا لقاءه مع الرئيس الشرع بـ"العظيم" ومؤكدًا أن الشرع "قائد حقيقي" لديه فرصة للحفاظ على وحدة سوريا
كما أكد ترامب أن دعم الولايات المتحدة للشرع يأتي في إطار نموذج جديد للإسلام المحافظ، يركز على محاربة التطرف داخل سوريا دون تصديره للخارج.
وجاء اللقاء بعد رفع الولايات المتحدة جائزة قدرها 10 ملايين دولار عن رأس الشرع منذ شهر ديسمبر 2024 ما يمثّل تحولاً تاريخياً في التعاطي الغربي معه.
أسباب التحول الأمريكي.. مصالح استراتيجية وتوازنات إقليمية
يرى المبعوث الأمريكي توماس باراك أن نهاية التدخل الغربي المباشر في سوريا باتت ضرورة، وأن تقسيم سوريا كان "خطأ كبيرًا" دفع ثمنه أجيال من السوريين.
وأكد باراك في تصريحات عبر منصة "إكس" في 25 مايو 2025 أن إعادة بناء سوريا يجب أن تنطلق من الكرامة والوحدة والاستثمار في الشعب السوري، بعيدًا عن خرائط القوى الإمبريالية القديمة مثل اتفاقية سايكس-بيكو. كما أشار إلى أن إنهاء الانقسام الطائفي يخدم مصالح حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ويوفر توازنًا في مواجهة النفوذ الإيراني والروسي.
تداعيات رفع العقوبات.. فرص اقتصادية وتحديات أمنية
في 23 مايو 2025، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية ترخيصًا عامًا يخفف من العقوبات المفروضة على سوريا، ما أتاح للحكومة السورية الجديدة والرئيس أحمد الشرع التعامل مع المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية.
وأوضح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن هذا الإجراء يهدف إلى دعم جهود الاستقرار وإعادة الإعمار، دون السماح بأي إعفاءات للمنظمات الإرهابية أو داعمي النظام السابق.
وقد لقي هذا القرار ترحيبًا في الشارع السوري، إذ يُتوقع أن يفتح الباب أمام الاستثمارات وتحسين الوضع المعيشي بعد أكثر من عقد من الحرب.
انعكاسات استراتيجية.. من السياسة إلى الأمن
السياسة التي تبنّتها إدارة ترامب تمثّلت في إزاحة العقوبات وشرطية دمج المتطرفين، دفعت واشنطن وأنقرة إلى إطلاق "مجموعة عمل سوريا" في واشنطن في 20 مايو 2025، لوضع خريطة طريق مشتركة تحقق استقراراً أمنياً وميدانيّاً.
لكن تبعات هذا النهج تتعدى إطار سوريا، فاستقبال أويغور مقاتلين قد يعقّد العلاقة مع الصين، وعودة الشرع بشبكة دعم عسكرية يُواجه بمعارضة من تل أبيب وطهران، وقد يُسبب تصعيداً جديداً على جبهة الجولان ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
إضافة إلى ذلك، تُرتبط قرارات ترامب بحسابات انتخابية داخلية وقيم اقتصادية مرتبطة بإعادة إحياء العلاقات الاستراتيجية مع دول الخليج، وتنشيط فرص الأعمال الأمريكية في قطاعات مثل إعادة الإعمار والموارد النفطية
تحديات المرحلة الانتقالية.. الأمن وبناء الدولة
ورغم هذه التطورات الإيجابية، لا تزال التحديات الأمنية ماثلة أمام الإدارة السورية الانتقالية، فالجماعات المتطرفة، التي فقدت جزءًا من نفوذها بعد سقوط نظام البعث، تسعى لاستهداف الشرع لإفشال مسار الاستقرار وإعادة الإعمار.
كما أن استمرار الصراع بين القوى الإقليمية على الأرض السورية يهدد بإعادة إنتاج الفوضى إذا لم يتم التوصل إلى توافقات سياسية وأمنية شاملة.
وفي هذا السياق، أكد المبعوث الأمريكي باراك أن رؤية ترامب للملف السوري "قابلة للتحقيق" إذا تضافرت الجهود الدولية والإقليمية لدعم الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة.
آفاق المستقبل السوري
تتجه الأنظار إلى سوريا في ظل هذه التحولات، حيث يُنظر إلى الرئيس أحمد الشرع بوصفه رمزًا لمرحلة انتقالية حساسة، تجمع بين آمال الاستقرار ومخاطر الانتكاس الأمني.
وبينما تراهن الإدارة الأمريكية على نموذج جديد للسلام والتنمية، يبقى نجاح التجربة السورية رهينًا بقدرة القيادة الجديدة على مواجهة التهديدات المتطرفة، وبناء دولة حديثة تستجيب لتطلعات الشعب السوري بعد سنوات طويلة من النزاع والانقسام.