في تقرير نشره موقع العربي الجديد، تحدّث عدد من الصحفيات المصريات عن ثقافة سامة قائمة على التمييز الجندري والتحرش داخل المؤسسات الإعلامية، ما يهدّد مسيرتهن المهنية وصحتهن النفسية.

روت بعض الصحفيات تجاربهن بشرط عدم الكشف عن هويتهن، بسبب حساسية الموضوع، وأكدن تعرضهن لتحرش لفظي وجسدي من زملاء أو رؤساء، أو حرمانهن من حقوق قانونية لمجرد أنهن نساء. وعندما حاولن الإبلاغ، تجاهلت الإدارات الشكاوى أو وظّفتها ضدّهن.

قالت إحداهن: "ما شعرت يوماً أن مكان العمل آمن. زميلي تحرش بي مراراً بكلام مليء بالإيحاءات الجنسية جعلني أرتجف وأفقد القدرة على الرد". استقالت لاحقاً بعدما فقدت الإحساس بالدعم، حتى من زميلات.

تعكس قصتها نمطاً متكرراً في الصحافة المصرية، من المؤسسات الرسمية إلى الصحف الخاصة، حيث تتكرر حالات التمييز والعنف الجندري.

 

الزواج والإنجاب عقبة في المسيرة المهنية

أوضحت صحفية بإحدى الصحف الحكومية أن مشكلاتها بدأت بعد زواجها، حيث أخبرها رئيسها بأنها لم تعد "متاحة" للتقارير الميدانية، ما أثّر على دخلها وفرصها في التثبيت رغم سجلها المهني الممتاز.

لاحقاً، ومع الحمل، طالبها المدير بأخذ إجازة غير مدفوعة، ما يخالف قانون العمل. وعندما لجأت إلى لجنة المرأة بالنقابة، نصحتها عضوة بالصمت لتجنب التصعيد، بحجة أن "المستقبل بيد المدير".

حالة مشابهة روتها صحفية من مؤسسة خاصة، حيث أخبرها مديرها بعد الإنجاب: "انسِ الصحافة". وعندما طلبت إجازة أمومة، رُفض الطلب، واضطرت للعودة بعد عشرة أيام فقط، ثم نُقلت إلى قسم أكثر إجهاداً، واضطرت لوضع طفلها في حضانة مكلفة تستهلك نصف راتبها، ما أدى لإصابتها باكتئاب حاد وانتهى بها الأمر إلى الاستقالة.

 

بيئة عدائية وصمت قسري

صحفيات أخريات تحدّثن عن تكليفهن بمهام مرهقة فور العودة من الإجازة، دون مراعاة لظروفهن العائلية، مع إطلاق تعليقات سلبية على "قلة التفرغ"، ما حرمهن من الترقّي.

في حالات أخرى، عوقبت الصحافيات اللواتي أبلغن عن تحرش، حيث وُصفت إحداهن بـ"المزعجة" وعُزلت اجتماعياً.

قالت الاستشارية النفسية هبة فوزي لـالعربي الجديد إن "الصحفيات يُعاقبن على الأمومة، أو عند تحديهن للثقافة الذكورية"، وأشارت إلى انتشار القلق والاكتئاب والإرهاق النفسي بينهن، خصوصاً في ظل غياب الدعم والموازنة بين العمل ورعاية الأسرة.

 

تمييز مؤسسي ومهننة للتمييز

أشارت إيمان عوف، عضوة مجلس نقابة الصحافيين حديثاً، إلى إقصاء النساء من التغطيات السياسية والتحقيقات، وحصرهن في مواضيع "ناعمة" مثل نمط الحياة أو قضايا المرأة. وأكدت أن النقابة تجاهلت معاناة الصحفيات في السابق، والمؤسسات تفتقر لسياسات واضحة لمكافحة التحرش أو نظم تظلم فعالة.

قالت صحفية أخرى إن المدراء يهتمون بسمعة المؤسسة أكثر من سلامة الموظفات، ولا توجد إدارات موارد بشرية مؤهلة، ما يدفع الصحافيات للصمت أو الاستقالة.

 

الميدان ليس آمناً أيضاً

قالت عدة صحفيات إنهن تعرضن للتحرش أثناء تغطية الأحداث، لا سيما الحساسة منها، أو مُنعن من دخول مواقع أو الوصول لمصادر بسبب كونهن نساء. وتفاقمت التحديات بعد فرض قوانين جديدة منذ 2016 قلّصت حرية الصحافة.

قالت إحداهن: "أمارس الرقابة الذاتية مرتين: كصحافية وكامرأة". وأضافت أن الحديث عن الانتهاكات بات يحدث عبر مواقع التواصل، حيث تنشط صحفيات كثيرات للمطالبة بالمحاسبة، ما ساهم في تأسيس لجنة نسائية داخل النقابة لدعم الضحايا.

لكن المحامـية نبيلة بهجت أكدت أن ذلك غير كافٍ، ودعت لتفعيل القوانين، وتوفير إجازة أمومة مدفوعة، وتمكين النساء من المناصب القيادية. وأضافت: "لا نطالب بمِنح، بل بحقوق أساسية تضمن الأمان والحرية في العمل".

 

طموحات للتغيير داخل النقابة

أكّد خالد البلشي، نقيب الصحافيين، دعمه لمبدأ المساواة، وتسعى النقابة لتوفير آلية دعم للصحافيات والعاملات في الإعلام عموماً. وفي ديسمبر الماضي، أطلقت النقابة مدوّنة سلوك تنظّم السلوك المهني مع تركيز على حقوق النساء.

إيمان، المرأة الوحيدة حالياً في مجلس النقابة، تخطط لتأسيس لجان تحقيق داخل المؤسسات الإعلامية لمتابعة الانتهاكات، خاصة أن النساء يشكلن 43٪ من الأعضاء الذين يحق لهم التصويت.

ورغم الصعوبات، لا تزال كثير من الصحافيات مصرّات على مواصلة النضال، ليس فقط من أجل أنفسهن، بل من أجل الأجيال القادمة.

https://www.newarab.com/features/female-journalists-expose-discrimination-egyptian-newsrooms