تقترب حكومة عبدالفتاح السيسي، من الإعلان عن صفقة استثمارية جديدة بمنطقة رأس شقير على ساحل البحر الأحمر، وسط تسريبات متزايدة عن دخول صندوق سيادي خليجي طرفًا رئيسيًا فيها، على غرار صفقة "رأس الحكمة" مع صندوق أبوظبي السيادي، والتي بلغت قيمتها 35 مليار دولار.
الصفقة الجديدة، وفق مصادر حكومية، لن تكون مجرد عملية بيع أراضٍ كما السابق، بل ستمثل اختبارًا جديدًا لما تُسميه الحكومة "نماذج مبتكرة للتمويل" عبر آلية الصكوك السيادية المحلية، بهدف وحيد: خفض الدين العام الذي يواصل الارتفاع بمعدلات خطيرة.
الصفقة، التي كشفت عنها نشرة إنتربرايز الاقتصادية، ستعتمد على تخصيص أراضٍ شاسعة من الدولة لوزارة المالية، بما يتيح إصدار صكوك مضمونة بأصول حقيقية، تشتريها صناديق ثروة سيادية من الخليج ودول أخرى، في مقابل ضخ أموال عاجلة في الخزينة المصرية المثقلة بالديون.
الأرض، التي تبلغ مساحتها أكثر من 174 كيلومترًا مربعًا (أكثر من 41 ألف فدان)، تم تخصيصها رسميًا بقرار رئاسي لصالح وزارة المالية، لاستخدامها في "إصدارات الصكوك السيادية".
ووفقًا للمصادر، تهدف الحكومة إلى استنساخ تجربة رأس الحكمة، لكن ضمن هيكل تمويلي مختلف، لا يعتمد فقط على البيع المباشر، بل على إعادة توريق الأراضي العامة مقابل ديون عبر أدوات مالية إسلامية.
ومن المقرر أن تُستخدم تلك الصكوك لتمويل مشروعات تنموية في المنطقة، يعتقد أنها قد تشمل استثمارات في الطاقة النظيفة، مثل الهيدروجين الأخضر، إلى جانب مشاريع سياحية وصناعية.
صندوق خليجي جديد في الصورة.. سعودي أم قطري؟
حتى الآن، لم تُعلن الحكومة اسم الصندوق الخليجي المعني بالصفقة. لكن عدة مؤشرات – بحسب النشرة الاقتصادية – ترجّح أن يكون صندوق الاستثمارات العامة السعودي هو الشريك الأبرز، ضمن إطار خطة الرياض لتحويل ودائعها الدولارية في البنك المركزي المصري (10 مليارات دولار) إلى استثمارات استراتيجية.
إلا أن مصادر أخرى لم تستبعد دخول جهاز قطر للاستثمار على الخط، خاصة بعد إعلان الدوحة في أبريل الماضي استعدادها لضخ استثمارات مباشرة بقيمة 7.5 مليارات دولار في السوق المصرية خلال الفترة المقبلة.
في الحالتين، يظهر الاتجاه العام بوضوح: أصول الدولة المصرية تُعرض تدريجيا للبيع أو التصكيك مقابل تمويل خارجي، تحت ضغط خدمة دين تبتلع أكثر من نصف الموازنة.
قرار رئاسي.. و"أولوية للمالية"
القرار الجمهوري الصادر يوم الثلاثاء 4 يونيو الجاري، نص على تخصيص الأراضي محل الصفقة بالكامل لصالح وزارة المالية، مع استثناء المناطق التي تحتفظ بها القوات المسلحة لأغراض استراتيجية.
القرار نُشر في الجريدة الرسمية، وأتاح تسجيل الأرض في الشهر العقاري دون رسوم، كخطوة أولى لتفعيل استخدامها كضمانات لإصدار الصكوك.
ويُعد هذا القرار جزءًا من توجه حكومي أوسع نحو تحويل أصول الدولة إلى أدوات تمويل مباشر، وهو ما أكده مصدر حكومي لنشرة "البورصة" الاقتصادية، موضحًا أن أرض رأس شقير ستكون جزءًا من برنامج تصكيك محلي جارٍ الإعداد له، ضمن سياسة تستهدف تقليل الاعتماد على أدوات الدين التقليدية مرتفعة التكلفة.
الديون تواصل الاشتعال.. والحكومة تتسابق مع الانهيار
وتأتي هذه الخطوات في وقتٍ تُظهر فيه المؤشرات المالية أرقامًا صادمة:
- ارتفعت خدمة الدين الخارجي بنسبة 37% على أساس سنوي في النصف الأول من العام المالي الحالي (2024/2025)، لتصل إلى 21.3 مليار دولار.
- التزامات سداد القروض المحلية والخارجية ستقفز في العام المالي الجديد (2025/2026) إلى 2.1 تريليون جنيه، مقارنة بـ1.6 تريليون جنيه في العام الجاري.
- الفجوة التمويلية في الموازنة الجديدة مرشحة للتوسع إلى 3.6 تريليونات جنيه، ما يعادل نحو 70 مليار دولار.
ورغم ذلك، تسعى وزارة المالية لتقليص هذه الفجوة عبر إصدار أدوات دين جديدة تصل إلى 2.2 تريليون جنيه من أذون وسندات، بالتوازي مع إصدار صكوك دولية تتراوح قيمتها بين 1.5 مليار و2 مليار دولار لسداد ديون مستحقة الشهر الجاري.