سلّطت زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة في 2 يونيو الضوء على مؤشرات لتقارب محتمل بين مصر وإيران، وفقًا لتحليل صالح سالم في "العربي الجديد". بدأ عراقجي زيارته بأداء الصلاة في مسجد الحسين المجاور للأزهر الشريف، ثم دعا ثلاثة وزراء خارجية مصريين سابقين للعشاء في مطعم يحمل اسم نجيب محفوظ في قلب خان الخليلي، في رسالة واضحة تعبّر عن احترام إيران لمكانة مصر التاريخية والثقافية والدينية.

أكّد عراقجي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري بدر عبد العاطي أن "الفرصة متاحة الآن أكثر من أي وقت مضى" لتحسين العلاقات، مشيرًا إلى اقتراب إزالة "العقبة الأخيرة" دون تحديدها، وأوضح أن تبادل السفراء لم يحدث بعد. وأضاف: "لسنا في عجلة من أمرنا، وعندما يكون إخواننا في مصر جاهزين، سنكون كذلك".

يرى مراقبون أن هذه الزيارة تعكس تحولات في التحالفات الإقليمية، خصوصًا مع تراجع نفوذ إيران في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد. في المقابل، حاول عراقجي الإيحاء بأن إيران يمكن أن تعوّض خسائرها في دمشق بتقارب مع القاهرة، الحليف المحوري للرياض، عبر إرسال رسالة رمزية إلى السعودية من خلال الصلاة في مسجد شيعي الطابع في العاصمة المصرية.

رغم ذلك، لا تشير المعطيات إلى تحوّل جذري في تحالفات مصر الإقليمية، حيث تحافظ القاهرة على توازن في علاقاتها مع قوى دولية كبرى مثل الصين وروسيا، وتظل في الوقت نفسه شريكًا مهمًا للولايات المتحدة في ملفات إقليمية، منها السعي لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة.

يرى السفير المتقاعد رخا أحمد حسن أن التقارب مع إيران لا يعني تخلي مصر عن تحالفاتها التقليدية، لكنه يساعد في تهدئة التوترات التي لطالما سمّمت العلاقات بين البلدين، ما قد يسهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي.

في الجانب الاقتصادي، يسعى الطرفان إلى تعزيز التعاون، لكن لأسباب مختلفة. تحتاج إيران إلى كسر عزلتها الاقتصادية التي فرضتها العقوبات، فيما تسعى مصر إلى جذب السياح الإيرانيين لمواجهة أزمتها الاقتصادية. في هذا السياق، كثّف النظام المصري جهوده لترميم أضرحة ومزارات آل البيت لجذب الزوار الشيعة، حيث ساهمت طوائف شيعية مثل البهرة في تمويل بعض مشاريع الترميم.

ذكر أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة جمال عبد الرحيم أن تحسين العلاقات مع إيران يخدم خطة الدولة لاستقطاب السياحة الدينية الشيعية، مشيرًا إلى أن آلاف الإيرانيين زاروا مصر عام 2013 عندما شهدت العلاقات انفراجة مؤقتة خلال حكم الرئيس الراحل محمد مرسي.

لكن محللين مصريين يحذّرون من الإفراط في التفاؤل، موضحين أن تحسن العلاقات قد يظل محدودًا إذا لم تستجب إيران لمخاوف القاهرة، خصوصًا فيما يتعلّق بالسياسات الإقليمية الإيرانية ودعم الجماعات المسلحة في الدول العربية.

استقبلت القاهرة عراقجي في وقت كانت تبحث فيه عن وساطة لإنهاء الخلاف بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن تقرير مسرّب يتحدث عن ارتفاع إنتاج طهران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%. التقى عراقجي برئيس الوكالة رافائيل جروسي في القاهرة، حيث أشاد الأخير بدور مصر في دعم الحلول السلمية للأزمات الإقليمية.

في المقابل، انتظرت مصر من طهران مؤشرات إيجابية بشأن ملفات حساسة مثل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، والتي كلّفت مصر ملايين الدولارات من عائدات قناة السويس. رفض عراقجي تحميل إيران مسؤولية هذه الهجمات، معتبرًا أن الحوثيين "يتخذون قراراتهم بشكل مستقل".

كما تتوقع القاهرة من إيران إبداء مرونة تجاه ملفات أخرى كالوضع في لبنان، خاصة بعد زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى القاهرة، وسط تراجع نفوذ حلفاء إيران مثل حزب الله في المنطقة.
وأكّد السفير رخا أحمد أن استمرار دعم طهران لوكلائها الإقليميين سيبقي العلاقة مع مصر رهينة التجاذبات، لأن هذه الجماعات تشكل جزءًا من النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما يتطلّب من القاهرة بذل جهود إضافية إذا أرادت تقليص هذا النفوذ.

هكذا، يعكس التحرك الإيراني تجاه مصر رغبة في إعادة التموضع بعد خسائر إقليمية، بينما تتعامل القاهرة مع الملف بحذر، ساعية إلى تحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية دون الإخلال بتحالفاتها التقليدية.

https://www.newarab.com/analysis/thaw-long-frozen-egypt-iran-ties-horizon