شهدت العديد من مواقع التواصل جدلًا كبيرًا بشأن دخول مصر "حزام الزلازل"، بينما أكد خبراء أن "هذا الكلام لا يستند إلى أي أساس علمي".
وتعرضت عدة محافظات، مساء الإثنين 3 يونيو 2025، لهزة أرضية مفاجئة أثارت الذعر بين المواطنين، خاصة في محافظة الإسكندرية، حيث شعر بها السكان بوضوح، بحسب ما أعلنته الشبكة القومية للزلازل.
المواطن السكندري علاء، موظف حكومي، قال إنه كان يشاهد التلفاز مع أسرته حين شعر بالاهتزاز، ما أثار الهلع لدى أطفاله وزوجته، مضيفًا: "حاولت تهدئتهم، لكن ثواني الهزة كانت ثقيلة ومخيفة"، مشيرًا إلى أن بعض الجيران هرعوا إلى الشارع، بينما دوى صراخ من نوافذ بعض الشقق.
وأوضح علاء أن أولاده سارعوا إلى هواتفهم ليتفقدوا الأخبار، ووجدوا مئات المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تسأل: "هل شعرتم بالزلزال؟"، في تعبير عن حالة من القلق الجماعي.
وفي بيان رسمي، أكدت الشبكة القومية للزلازل أن محطاتها سجلت هزة أرضية بقوة 5.8 درجة على مقياس ريختر، مصدرها الحدود الجنوبية لتركيا، مشيرة إلى أن الزلزال شعر به السكان في عدد من المحافظات المصرية، دون تسجيل أي خسائر بشرية أو مادية.
من جانبه، نفى الدكتور شريف عبد الهادي، رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، ما يتردد عبر مواقع التواصل بشأن دخول مصر "حزام الزلازل"، مؤكدًا أن "هذا الكلام لا يستند إلى أي أساس علمي".
وأوضح عبد الهادي أن مصر تقع في منطقة آمنة جيولوجيًا بين حزامين زلزاليين أحدهما شمالي والآخر جنوبي، وأن الهزات التي تصل للبلاد هي ارتدادات طبيعية للزلازل الإقليمية، مشيرًا إلى أن تأثر بعض المناطق بالهزات لا يعني تحول مصر إلى منطقة نشطة زلزاليًا.
مخاوف لا مبرر لها
ورصدت الشبكة التابعة للمركز القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، خلال شهر مايو الماضي عدة هزات أرضية شعر بها سكان عدة محافظات، استدعت لدى العقل الجمعي لغالبية المصريين ذكريات مؤلمة بشأن زلزال أكتوبر عام 1992 الكارثي.
وتداول رواد مواقع التواصل في مصر صورا لمواطنين هرعوا إلى الشوارع بعد الهزة الأرضية التي شعروا بها أوائل يونيو الحالي بعد تكرار تلك الهزات، وهو ما لم يعتد عليه المصريون، كما يفتقر كثير منهم للمعرفة بالاحتياطات وطرق التصرف في حال وقوع الزلازل.
ويفسر الخبير في الزلازل شريف عبد الهادي تكرار الشعور بالهزات الخفيفة بمصر بما يعرف بظاهرة “الاندثار” وهو “امتداد الحافة القارية لقارة أوروبا في أعماق الأرض تحت الحافة القارية لقارة أفريقيا في منتصف البحر المتوسط مكونة ما يعرف بحزام زلزالي تنشأ عنه زلازل على فترات متباعدة أو متقاربة بشكل فجائي تتأثر بها الدول التي تقع على البحر المتوسط، ومنها مصر، ولكن دون متوالية ثابتة أو محددة”.
وحذر عبد الهادي من أن “سلوك الأفراد وفزعهم خاصة في حالة الهزات الخفيفة للزلازل ذات المراكز العميقة قد يتسبب في وقوع أضرار وكوارث أكبر من آثار الزلزال نفسه”.
هل تتحمل المباني في مصر هذه الهزات؟
وأكد خبير الزلازل أن المباني في مصر وفقا لما يعرف بـ”كود البناء” قادرة على تحمل تلك الهزات الخفيفة التي لا تتجاوز 6 درجات على مقياس ريختر، وتكون مراكزها عميقة في الأرض، وهو ما يقلل احتمال الانهيار في البنى التحتية عموما.
ولفت الدكتور عبد الهادي إلى أن “الدولة تقوم بشكل منتظم بـ”تحديث كود البناء” وآخر تحديث جاري العمل عليه سيكون في العام الحالي 2025، وهو أمر صار متبعا منذ زلزال عام 1992 المدمر، وهي مسائل فنية تتعلق بحجم الخرسانات ونوعيتها وأنواع طوب البناء وقدرات ومساحة أساسات البناء وغيرها”.
تفعيل الإنذار المبكر للزلازل وتسونامي
وكشف رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية، أن مناقشات ومطالبات تتم حاليا لتفعيل نظام إنذار مبكر للزلازل، لافتا أن “مصر لديها بالفعل إنذار مبكر لموجات تسونامي فعال كون هذه الموجات تحدث في المياه العميقة، وتستغرق من ربع الساعة لأكثر من ذلك في وصولها للشواطئ، وهناك تنسيق إقليمي في هذا السياق مع قبرص وغيرها يسمح بإنذار الناس والجهات المسؤولة”.
ويرى أنه من الضروري توفير نظام الإنذار المبكر للزلازل في المباني الاستراتيجية وذات الأهمية القصوى، وهي أجهزة دقيقة عند استشعارها للهزات الأرضية تقوم عبر ربط أوتوماتيكي “Automatic shut down” بفصل كل مصادر الخطر بتلك المباني من الكهرباء والغاز والمياه وإرسال تحذير للأفراد وهي تقنية متوافرة في بعض الدول العربية، مثل برج خليفة في دولة الإمارات على سبيل المثال، وهو متوفر في مصر بشكل محدود في مواقع بعينها مثل السد العالي.
الذكاء الاصطناعي والتنبؤ بالزلازل
وأوضح عبد الهادي أنه رغم التقدم التكنولوجي الهائل في أجهزة الاستشعار والتنبؤ إلا أنها لم تصل إلى درجة إنذار الأفراد بوقت كاف لاتخاذ الاحتياطات اللازمة، مدللا باليابان التي تمثل قمة التقدم التكنولوجي في العالم وتتعرض لعشرات الزلازل دون إنذار الناس قبلها.
واستدرك خبير الزلازل أن جهود عالمية تجري لاستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير أجهزة الاستشعار، والتنبؤ بالزلازل، وهي تقنيات مكلفة للغاية ولن تكون بطبيعة الحال متاحة بسهولة للدول الفقيرة التي قد تشهد مثل هذا النوع من الكوارث، كما وقع في سوريا منذ سنوات على سبيل المثال.
وهنا، بحسب عبد الهادي، لا بد من الإشارة إلى أن الإنذار المبكر يأتي بعد وقوع الزلزال وليس قبله، وهو قد لا يكون فعال في الزلازل ذات الدرجات العالية التي تتجاوز 7 درجات أو الزلازل التي تكون مراكزها قريبة من سطح الأرض.
الإسكندرية الأكثر تأثرًا
وأشارت دراسة حديثة أشرفت عليها وكالة “ناسا” الأمريكية إلى أن المدن الساحلية على البحر المتوسط، بينها مدينة الإسكندرية، أقل جاهزية لتحمل الكوارث الطبيعية، وقد تكون الأكثر تأثرا بالهزات الأرضية، نتيجة طبيعة التربة وتسرب المياه الجوفية من البحر والامتداد العمراني وتآكل الشواطئ.
وقالت ميادة السيد، مهندسة بإحدى شركات الإنشاءات الخاصة في الإسكندرية إن الهزات الأرضية الأخيرة والتي تكررت تدعو للعمل على التوصيات العلمية والدراسات البحثية خاصة في جانب الاحتياطات الإنشائية المتعلقة بتوسيع الشواطئ، وعمل مصدات الأمواج، وحقن أساسات الأبنية لمنع انهيارها.