شهدت محافظة أسوان خلال الأيام الماضية تصعيدًا غير مسبوق في المواجهة الشعبية ضد انتشار مخدر "الشابو" ومروجيه، وسط اتهامات للأجهزة الأمنية بالتقاعس عن أداء دورها، مما دفع الأهالي إلى اتخاذ خطوات ذاتية لمحاصرة تجار السموم، في مشاهد تنذر باضطرابات أمنية وقبلية واسعة النطاق.

أبرز تلك المواجهات اندلعت يوم الجمعة الماضية بقرية "النجاجرة شرق" التابعة لمركز كوم أمبو، حين تحرك المئات من السكان لمواجهة تجار المخدرات في قريتهم، بعد تجاهل السلطات لعشرات الشكاوى على مدار عامين.
تحرك الأهالي جاء تتويجًا لتحركات شعبية أوسع اجتاحت قرى ومدنًا عدة في المحافظة، بعد مقتل شاب على يد نجله المدمن في قرية الكوبانية، والتمثيل بجثته، في واقعة أثارت صدمة واسعة.

الشارع يغلي.. والأمن يطلب من المواطنين الإمساك بالمجرمين
يقول محمود عبد الناصر، من سكان النجاجرة، إن الرد الرسمي على شكاوى الأهالي كان صادمًا: "قالولنا امسكوهم وسلموهم بنفسكم". ووسط تصاعد الخوف من المجرمين المسلحين، وتزايد وقائع السرقة والترويع من مدمني الشابو، قرر الأهالي التحرك بأنفسهم.

بعد صلاة الجمعة، قُطع الطريق الزراعي في القرية لإجبار الأمن على التدخل. حضرت قيادات أمنية لموقع التجمهر، فيما قام تجار المخدرات في المقابل باستعراض مسلح للقوة. "عيال شايلة سلاح وعدِّي علينا وإحنا واقفين مع الشرطة"، يضيف عبد الناصر، في مشهد عكس الانهيار التام لهيبة الدولة أمام النفوذ المسلح لتجار المخدرات.

الغضب الشعبي انفجر بهجوم على أحد أبرز أوكار المخدرات في القرية، حيث أُحرق بالكامل وتم هدمه. لاحقًا، عادت الاشتباكات مع رجوع التجار مدججين بالسلاح، وأسفرت المواجهات عن إصابة ثلاثة من الأهالي، ما دفعهم لقطع شريط السكة الحديد، إلى أن تدخل محافظ أسوان ومدير الأمن وتعهدوا بالتدخل.

المخدرات تشعل الغضب في أكثر من قرية
النجاجرة لم تكن وحدها؛ مظاهرات نسائية ومؤتمرات شعبية خرجت في المنشية بحري، حي السيل، أبو الريش، غرب سهيل، أبو سمبل، والجزيرة، في تصعيد واسع شمل الريف والمدن على حد سواء، ودق ناقوس الخطر حول مستقبل اجتماعي وأمني مهدد بانفلات خطير.

وتكمن خطورة هذه المواجهات، كما يقول أحد القيادات الشعبية بالمحافظة، في الطبيعة القبلية لأسوان: "لو اتهمت شخصًا من قبيلة معينة بتجارة المخدرات، ممكن القبيلة تعتبر ده تشهير وتبدأ أزمة ثأر". واستشهد المصدر باشتباكات الدابودية والهلايلة الشهيرة عام 2014 التي راح ضحيتها 26 شخصًا.

حزب العدل يقرع الجرس: "مافيش بيت في أسوان مفهوش مدمن"
وفي ظل اشتعال الشارع، عقد حزب العدل مؤتمرًا بمدينة أسوان لمناقشة أزمة المخدرات. وقال فيه النائب السابق هلال الدندراوي: "مفيش بيت في أسوان إلا وفيه مدمن شابو"، محذرًا من كارثة اجتماعية شاملة في حال استمرار تجاهل الدولة.

بيانات صندوق مكافحة الإدمان الصادرة عام 2022، وضعت أسوان في المرتبة السادسة بين المحافظات في نسب التعاطي، بنسبة بلغت 6.5% من السكان، فيما يرى كثيرون أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى بكثير في ظل غياب دراسات ميدانية حديثة.

ذهب الجبل.. وشياطين "الشابو"
العديد من الشهادات تربط بين انتشار "الشابو" والتوسع في التنقيب غير الرسمي عن الذهب في الصحراء الشرقية، حيث انتشرت عادة تعاطي هذا المخدر القوي وسط المنقبين، بسبب حاجتهم للسهر وحمل السلاح لحماية المعدات، بحسب أحد المنقبين.

وأضاف: "التجار كمان مننا، من أهل البلد، والقبيلة بتحميه وناس تانية بتحتاجه عشان يوفرلها الكيف". هذا التداخل الاجتماعي المعقد يجعل من مروّجي المخدرات جزءًا من نسيج القرى، ما يصعّب المواجهة الشعبية، ويجعل التدخل الأمني ضرورة لا بديل عنها.

"كريستال ميث" يغزو الجنوب.. والنساء في الصفوف الأمامية
الشابو، أو الكريستال ميث، دخل مصر مؤخرًا لكنه ينتشر بسرعة. بيانات وزارة الداخلية تشير إلى ضبط طن منه خلال عام ونصف فقط، أي أكثر من ثلث ما تم ضبطه منذ ظهوره في مصر. كما ارتفعت نسب تصنيعه محليًا إلى أكثر من الضعف منذ عام 2019.

منسقة صندوق مكافحة الإدمان، ولاء سعد، قالت إن النساء هن الأكثر تحمّلًا لعبء الإدمان، سواء في مواجهة أزواجهن أو أبنائهن المدمنين، أو بسبب دخولهن بأنفسهن إلى دائرة التعاطي. وأكدت أن الوصمة الاجتماعية تمنع كثيرًا من النساء من طلب المساعدة.

مراكز علاج غائبة ووعود رسمية لم تُنفذ بعد
أعلنت الحكومة عن بدء التشغيل التجريبي لمركز "العزيمة" لعلاج الإدمان في أسوان، لكنها لم تدخل حيز العمل الكامل بعد، فيما يعاني مستشفى التكامل النفسي من ضعف الطاقة الاستيعابية (70 مريضًا فقط). ووفق شهادات، يضطر كثير من المرضى للسفر إلى محافظات بعيدة، أو العلاج المنزلي غير الآمن.

شاهد:
https://www.youtube.com/watch?v=VNFxF_JhWmc

https://www.facebook.com/watch/?v=728547152848662