شهدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يونيو 2025 إقالة ثلاثة مسؤولين بارزين يُعتبرون من أشد المؤيدين لإسرائيل، وهم ميراف سيرين، رئيسة قسم إيران وإسرائيل في مجلس الأمن القومي، وإريك تريغر، منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس ذاته، بالإضافة إلى مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان.
هذه الإقالات جاءت على خلفية خلافات متصاعدة بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خاصة حول سياسات إسرائيل تجاه إيران وقطاع غزة، حيث رفض ترامب رغبة إسرائيل في شن هجوم منفرد على إيران دون موافقة واشنطن، كما انتقد استمرار الحرب في غزة.
كما أن ترامب بدأ يتخذ موقفًا أكثر استقلالية عن إسرائيل، مفضلاً مصالح الولايات المتحدة الخاصة على حساب الدعم الأعمى لإسرائيل، وهو ما ظهر جليًا في تصريحات مسؤولين أمريكيين مثل آدم بولر الذي أكد أن أمريكا ليست وكيلاً لإسرائيل وأنها تملك مصالحها الخاصة.
الأبعاد السياسية.. تباعد متزايد بين ترامب ونتنياهو
تشير التطورات إلى وجود تباعد متزايد بين إدارة ترامب وإسرائيل، حيث لم تعد واشنطن تتبنى أجندة تل أبيب بالكامل، بل تتخذ مواقف أكثر براغماتية وواقعية تجاه الملفين الإيراني والفلسطيني.
فقد أقال ترامب مستشار الأمن القومي السابق مايك والتز، الذي كان من أشد المؤيدين لإسرائيل، بعد فضيحة "SignalGate" التي كشفت عن تدخلات نتنياهو خلف ظهر ترامب.
كما أن ترامب أظهر استعداده لاستبعاد إسرائيل من بعض الاتفاقيات الإقليمية مع دول الخليج، مثل الاتفاق الدفاعي مع السعودية، مما أثار قلقًا إسرائيليًا كبيرًا.
هذه الأبعاد تعكس رغبة ترامب في إعادة صياغة الدور الأمريكي في الشرق الأوسط بعيدًا عن الهيمنة الإسرائيلية التقليدية.
الدلالات الاستراتيجية.. مصالح أمريكا أولاً
يرى محللون أن سياسة ترامب الجديدة تجاه إسرائيل تأتي في إطار شعار "أمريكا أولاً" الذي يضع مصالح الولايات المتحدة فوق أي اعتبارات أخرى، حتى لو كانت على حساب الحليف الإسرائيلي.
ففي حين استمر ترامب في دعم المشاريع الإسرائيلية في الضفة الغربية، مثل توسيع المستوطنات، إلا أنه لم يعد يتردد في اتخاذ إجراءات تعكس مصالحه الخاصة، مثل التفاوض مع إيران ومحاولة التوصل إلى اتفاق نووي، رغم معارضة إسرائيل الشديدة لذلك.
كما أن تجاهل ترامب لقضية غزة وتبادل الرهائن في خطابه يشير إلى نيته عدم الانجرار إلى صراعات كبرى في الشرق الأوسط في الوقت الراهن.
قلق وتحفظ إسرائيلي
أثارت إقالات المسؤولين المؤيدين لإسرائيل قلقًا في تل أبيب، حيث اعتبرها مراقبون بمثابة بداية لتحول في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل.
فقد عبر رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو في مناقشات مغلقة عن عدم توقعه الاتجاه الذي تسير إليه الولايات المتحدة في ملفات الشرق الأوسط، معتبراً أن الإدارة الأمريكية الجديدة تتخذ مواقف مختلفة عن السابق.
كما أن وسائل الإعلام الإسرائيلية وصفت هذه الإقالات بأنها "جزء من التباعد بين إسرائيل وإدارة ترامب" وأنها قد تتبعها تغييرات أخرى في المستقبل القريب.
أرقام وتواريخ مهمة
- في 3 يونيو 2025، أُعلن عن إقالة ميراف سيرين، إريك تريغر، ومورغان أورتاغوس من مناصبهم التنفيذية في البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي.
- في مايو 2025، ألغى ترامب زيارة وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغزيث إلى إسرائيل، ورافقه في جولة الخليج، مما أظهر تراجعًا في الاهتمام الأمريكي المباشر بإسرائيل ضمن الاستراتيجية الإقليمية.
- في مارس 2025، تورط آدم بولر، الممثل الخاص لشؤون الرهائن، في جدل مع إسرائيل بسبب اتصالاته المباشرة مع حماس، مؤكداً استقلالية السياسة الأمريكية عن الأجندة الإسرائيلية.
- في مايو 2025، أعلن ترامب عن اتفاق وقف إطلاق نار مع الحوثيين عبر عمان دون إبلاغ إسرائيل، مما أثار صدمة في تل أبيب.
تصريحات سياسية بارزة
قال ترامب سابقًا إنه طلب من نتنياهو عدم شن هجوم على إيران، مشيرًا إلى تقدم في المفاوضات النووية مع طهران وقرب التوصل إلى اتفاق.
أكد آدم بولر أنه "أفهم لماذا الإسرائيليون غاضبون، لكننا أمريكا، ولسنا وكلاء لإسرائيل، ولنا مصالحنا الخاصة".
رفض السناتور الجمهوري ليندسي غراهام أي اتفاق دفاعي مع السعودية لا يشمل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مما يعكس الانقسامات داخل الحزب الجمهوري حول سياسة الشرق الأوسط.
عبر نتنياهو عن استغرابه من الاتجاه الجديد للولايات المتحدة في ملفات الشرق الأوسط، معتبراً أن ذلك يشكل تحدياً لاستراتيجياته السياسية.
تُظهر هذه التطورات أن إدارة ترامب، رغم دعمها التاريخي لإسرائيل، بدأت تتخذ مواقف أكثر استقلالية وبراغماتية، مما أدى إلى إقالة عدد من المسؤولين المؤيدين لإسرائيل، ويعكس ذلك تحولات استراتيجية مهمة في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، مع تداعيات كبيرة على العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية ومستقبل الصراعات الإقليمية.