جدل حول توترات واسعة في العلاقات السعودية المصرية.. ماذا يجري؟
الاثنين 2 يونيو 2025 09:30 م
شهدت العلاقات المصرية السعودية توترًا غير مسبوق في الآونة الأخيرة، مما اعتبره كثير من المحللين انقلابًا سعوديًا على السيسي والجيش المصري.
ومؤخرًا أطلقت السعودية مذيعها عمرو أديب ليكشف بعض الحقائق في دعم السعودية للانقلاب على أول رئيس مصري منتخب، ليبين فضل السعودية على ما وصل له السيسي.
تصريحات أديب
ففي تصريحات إعلامية مثيرة للجدل، قال عمرو أديب، معلقًا على الدعم المالي السعودي لانقلاب عبد الفتاح السيسي عام 2013: "أنا نقلت بإيدي شيكات من الإدارة السعودية في 2013 لصالح تحيا مصر".
وأضاف: "أنا بنفسي، بإيدي، في 2013، ناقل فلوس شيكات من المملكة العربية السعودية لمصر علشان تقدر تمشي حياتها".
وزعم أن "رجال الأعمال السعوديين كلهم اتجمعوا، واتحطت فلوس بقيادة الإدارة السعودية، الملك عبد الله، خدوا اصرفوا على طول لتحيا مصر".
وتابع: "السعودية والإمارات وقفوا بجانب مصر ضد الأمريكان والأوروبيين، وقالوا لهم إن دي ثورة شعب وليست انقلابًا"، مردفًا: "الناس كلهم بتبص لأكل عيشها ومصلحتها وتقدمها".
وادعى "أديب" أنه نقل هذه الشيكات إلى "صندوق تحيا مصر"، الذي لم يتم تأسيسه إلا في عام 2014.
اتهامات بالرشوة
من بين الصحفيين والإعلاميين الذين انتقدوا "أديب"، كل من جمال سلطان ومحمد علي خير، اللذين اعتبرا أن شيكات أديب كانت رشوة للإعلاميين لدعم السيسي، ورشوة للسيسي لتنفيذ الانقلاب، خاصة أن أموال هذه الشيكات لم تدخل خزينة الدولة.
قال جمال سلطان: "أما أنك كنت تأخذ شيكات من السعودية وقتها فهذا مفروغ منه، أما أنها كانت لمصر، فهذه أول مرة أعرف فيها أن الشيكات الخليجية للسيسي ينقلها الصحفيون".
بدوره، قال المذيع محمد علي خير، بقناة "القاهرة والناس" التابعة لشركة المخابرات (المتحدة)، إن ما يتحدث عنه أديب هو "رشوة" لا مساعدات. وكلام "خير" يشير إلى أنه رد مصري على معايرة السعودية للسيسي بأموالها.
و ظهرت على السطح مؤخرا تراشق صحفي وإعلامي بين مصر والسعودية بدأت بحملة هجوم ضارية على مصر من قبل الإعلام السعودي، وأرجع محللون أن سببها الرئيسي هو عدم تلبية السيسي لمطالب السعودية في الاصطفاف معها ضد إيران، وعدم إرسال قوات عسكرية داعمة للسعودية في اليمن، وتلكؤ السيسي في تسليم جزيرتي تيران وصنافير لها.
وبعد دعم سعودي وخليجي على مدى أكثر من 10 سنوات بنحو 92 مليار دولار، ليحافظ على معادلة بقاء العسكر في مصر على رأس السلطة مع عدم تهيئة أسباب لهبة شعبية على غرار ما حدث في يناير 2011، تطيح بالنظام وتغيره، ما يسبب متاعب جمة لقادة الممالك والإمارات الخليجية وخوفا من أن تكون في مصر سلطة منتخبة من الشعب تنتقل عدواها إلى الخليج.
ومن الإعلاميين الذين علّقوا على كلام "أديب" الإعلامي أسامة جاويش، الذي أوضح أن صندوق "تحيا مصر" لم يكن قد أُسّس في 2013، إذ تم إنشاؤه رسميًا بقرار جمهوري في يوليو 2014.
وتساءل: من الذي تسلم هذه الأموال في 2013؟ وهل تم إيداعها في خزينة الدولة؟ أم تم توزيعها عبر جهات غير رسمية؟ وأين توجد المستندات التي تُثبت مسار هذه الأموال؟
وأضاف: من الذي سلّم الأموال لعمرو أديب؟ هل كانت الأموال من رجال أعمال سعوديين؟ أم من جهة رسمية تتبع الدولة السعودية؟
وقال: في الحالتين، لماذا اختير عمرو أديب، كإعلامي مدني، للقيام بهذا الدور؟ هل تم بتكليف رسمي؟ وهل كان يمتلك صلاحيات قانونية لحمل أموال عبر الحدود؟
تصعيد سعودي على مصر
بدأ الهجوم الإعلامي السعودي على النظام المصري بالصحفي السعودي تركي الحمد، المقرب من محمد بن سلمان، حيث انتقد تردي الاوضاع الاقتصادية بمصر، وأرجع ذلك الى "هيمنة الجيش المتصاعدة" على مفاصل الحكم في مصر، على حساب مؤسسات المجتمع الأخرى، ما أدى إلى وقوعها أسيرة لصندوق النقد الدولي.
وعدد الصحفي السعودي 3 أسباب أو عوامل، أدت إلى تردي الأوضاع في مصر ووقوعها أسيرة للمساعدات الدولية، ومثّلت ما أسماه بداية "الصعود إلى الهاوية".
وقال إن السبب الأول، يكمن في هيمنة الجيش المتصاعدة على الدولة، وخاصة الاقتصاد بحيث أصبحت كل المشروعات في البلاد تمرّ عن طريق مؤسسات خاضعة للقوات المسلحة، ولصالح أشخاص متنفذين داخلها، مبينًا أن "ذلك جاء على حساب القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، التي كانت في أقوى حالاتها قبيل عام "1952.
وأضاف "الحمد" أن السبب الثاني هو "البيروقراطية المصرية الهرِمة المقاومة للتغيير، التي تقف حجر عثرة في وجه أي استثمار اقتصادي ناجح، سواء داخلي أو خارجي، رغم أن مصر عبارة عن كنز لا ينضب من الفرص الاستثمارية".
أما السبب الثالث، بحسب "الحمد"، فهو "الثقافة الشعبية المستسلمة والمستكينة والمنتظرة لكل ما يأتي من (فوق).. مع غياب شبه تام لحس المبادرة المجتمعية المستقلة".
وكان الأكاديمي السعودي "علي الشهابذي"، المقرّب من ولي العهد “محمد بن سلمان”، دخل على خط التلاسن الإعلامي المشتعل بين السعودية ومصر، وغرد باللغة الإنجليزية، عبر حسابه بموقع
“تويتر”: “تستمر مصر في الاعتماد على إنقاذها باستمرار، لكن شهية المانحين تتضاءل الآن بشكل كبير”.
وأضاف قائلاً: “مصر عبارة عن ثقب أسود لن يغلق أبدًا ما لم تكن الحكومة قادرة على إجراء إصلاحات هيكلية مادية". واختتم “تغريدته بالقول: “نشهد الآن فترة صعبة في التكيف مع هذا الواقع الجديد".
وفي سياق متصل تضامن الملياردير ورجل الأعمال المصري "نجيب ساويرس" واصفا الجيش المصري بجيش البسكويت والجمبري.
وسبق لـ"ساويرس" انتقاد هيمنة الجيش المصري على الاقتصاد والتجارة في البلاد، متحدثا عن عدم تكافؤ في الفرص بينه وبين شركات القطاع الخاص، حيث يتمتع الجيش بكافة الامتيازات والاستثناءات التي تكفل نجاح مشروعاته الاقتصادية، وهو ما يتم حرمان المستثمر العادي منه.
هجوم مصري مضاد
في المقابل شنت الصحف المصرية هجوما مضادا على السعودية، حيث وجه رئيس تحرير صحيفة "الجمهورية" الحكومية في مصر "عبدالرازق توفيق"، رسائل مسيئة للسعودية بشكل غير صريح، حيث اتهمها بالحقد على نجاحات مصر، والغيرة من الجيش المصري قائلا إنها "لن تبقى دقيقة واحدة إذا أصاب مصر مكروه"، فيما وصف أولئك الذين انتقدوا بلاده بـ"السفلة" و"الأقزام".
وزاد الصحفي المصري في هجومه حين وصف منتقدي مصر بـ"المتطاولين والمتبجحين السفلة والأقزام الذين لا يدركون قيمة وعظمة وشموخ الجيش المصرى العظيم وتاريخه وحاضره ومستقبله"، وهو ما اعتبره البعض إشارة إلى الكتاب والأكاديميين السعوديين الذين انتقدوا الجيش المصري مؤخرا وعلى رأسهم "تركي الحمد" و"خالد الدخيل".
واستطرد قائلا بلغة مسيئة: "لا يجب على الحفاة العراة الذين ارتدوا أفخر الثياب مؤخرًا التطاول على مصر، وليس من حق اللئام والأندال ومحدثي النعمة أن يتطاولوا على أسيادهم".
من جهته، شن الإعلامي المصري المقرب من السلطات "نشأت الديهي"، هجومًا حادا على الكاتب السعودي "تركي الحمد"، بسبب حديثه الأخير عن مصر، والذي انتقد فيه سيطرة الجيش على الاقتصاد، وتحذيره من 3 أسباب قد تقود مصر إلى الهاوية.
وقال "الديهي" خلال تقديمه برنامج "بالورقة والقلم"، المذاع على فضائية "TEN" (مؤخرا : "بقول لتركي الحمد، أنت مالك ومال مصر، هناك مجموعة من المغرضين من دول الخليج ليس لهم علاقة بدولهم الرسمية، موجودين في الكويت والسعودية والامارات"
وأضاف: "بقول لتركي الحمد وأمثاله، عيب، أنا لا أرد عليك بالمنطق، لأنك لا تمتلك أي منطق"، وتابع مخاطبا "الحمد: "من أنت كي تتكلم عن تاريخ مصر.. مصر باقية، هذه الدولة خلقت لتبقى"، وزاد "الديهي": "حديث تركي الحمد عبارة عن صفر كبير".
أسباب التوتر
وتحدث مصدر حكومي عن "أسباب متعددة ومتراكمة" وراء التوتر بين القاهرة والرياض خلال الفترة الماضية، قائلا إن هناك "عتب" مصري لتخلي السعودية عن تقديم الدعم الاقتصادي لمصر في وقت أزمة، رغم ما اقترحته على المملكة في أن يكون هذا الدعم عبر صفقات استثمارية كانت الرياض أصلًا قد وعدت بها.
وأضاف أن أحد أسباب التوتر هو افتراض السعودية أن تبادر مصر إلى تلبية كل متطلبات السعودية لكل أشكال الدعم السياسي والعسكري دون الاتفاق على صياغات واضحة لأي تحرك مصري وعلى تحرك سعودي مقابل للتحرك المصري.
وأشار المصدر أيضا إلى أن "منتدى البحر الأحمر"، وهو الكيان الذي يضم دولا عربية وأفريقية تم التوقيع على ميثاق تأسيسه في يناير 2020، كان أحد ملفات التوتر المصري السعودي، حيث قال المسؤول إن القاهرة وافقت على أن تكون أمانة المنتدى العامة في الرياض، لكن الأخيرة تحفظت على أن تكون بعض الأجهزة والمراكز الرئيسية لهذا المنتدى في مصر.
وقال إن مصر تتفهم أن السعودية لها مصالح لا يمكن إغفالها في البحر الأحمر، لكن على المملكة أن تدرك أيضًا أهمية البحر الأحمر بالنسبة للقاهرة ووضعيتها العسكرية والاستراتيجية في المنطقة.
تيران وصنافير
وأوضح المصدر أن هذا التوتر كان جزءًا من عرقلة استمرار التحرك للأمام في استكمال كل بنود اتفاقية تيران وصنافير، التي كانت مصر قد أعلنت نقل السيادة عليهما إلى السعودية قبل أعوام في لحظة تقارب بين السلطات التنفيذية في البلدين رغم غضب شعبي مصري عارم ضد الخطوة.
وأثارت الاتفاقية التي نصّت على نقل تبعية جزيرتَي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية، جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والقانونية في مصر، وتعرضت لانتقادات من جهات حقوقية وشخصيات عامة اعتبرت أن الاتفاقية تنتهك مواد الدستور المتعلقة بالسيادة الوطنية، وكان مجلس النواب قد أقرّ الاتفاقية لاحقاً في يونيو 2017، وأصدر السيسي تصديقه عليها.