كشفت السلطات الفرنسية عن واحدة من أكبر شبكات التهريب غير الشرعي التي تنشط بين مصر والولايات المتحدة مرورًا بأراضي دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية، في قضية تهدد بكشف أبعاد غير مسبوقة للهجرة غير النظامية العابرة للقارات.
ففي تطور لافت، أعلنت النيابة العامة في باريس، يوم السبت الماضي عن توقيف أربعة أشخاص، ضمن تحقيق موسّع بدأ منذ مارس الماضي، يركّز على شبكة تتولى تهريب مهاجرين من مصر إلى الولايات المتحدة عبر فرنسا ودول أخرى في فضاء "شنجن"، إضافة إلى دول في أمريكا اللاتينية.
ووفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس)، وجّه قاضٍ فرنسي اتهامات مباشرة إلى خمسة أشخاص، جميعهم مصريون، وُلدوا بين عامي 1952 و2000، تتراوح أعمارهم بين 24 و72 عامًا، ويُشتبه في تورطهم بدرجات متفاوتة في تسهيل دخول وإقامة مهاجرين بشكل غير قانوني، فضلاً عن تهم غسل الأموال، التهرب الضريبي، التزوير، واستعمال مستندات مزورة.
وقالت النيابة إن التحقيقات أشارت إلى أن تكلفة العبور من مصر إلى أوروبا كانت تصل إلى 10 آلاف يورو، فيما بلغت تكلفة الانتقال من أوروبا إلى الولايات المتحدة نحو 6 آلاف يورو، موضحة أن الشبكة نظّمت تهريب أكثر من 1600 شخص منذ فبراير 2023، بإجمالي أرباح تجاوزت 900 ألف يورو.
وذكرت النيابة أن أحد المتهمين الخمسة كان يقود الشبكة، بينما تولى آخر عمليات التهريب الفعلية، وأشرف اثنان على عمليات غسل الأموال، أما الخامس فكان يدير وكالة سفر وهمية تبيع تذاكر طيران على أنها "رحلات ترفيهية" لتغطية مسارات التهريب.
وأُلقي القبض على المشتبه بهم خلال حملة أمنية في 12 مايو الجاري، شارك فيها عناصر من الشرطة الفرنسية بالتعاون مع محققين أمريكيين، ما يعكس الطابع العابر للحدود الذي تتخذه هذه الشبكات التي تتحدى القوانين الدولية والهياكل الأمنية الإقليمية.
دعم أوروبي سخي لمصر لمكافحة الهجرة.. فهل يتم استغلاله؟
اللافت أن هذه التطورات تتزامن مع تصاعد الدعم المالي والسياسي الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي إلى مصر لمواجهة الهجرة غير النظامية، مما يطرح تساؤلات حول فاعلية هذا الدعم ومدى وصوله إلى مساراته المستهدفة.
فمنذ عام 2017، قدّم الاتحاد الأوروبي مساعدات مالية لمصر بقيمة تجاوزت 241 مليون يورو في ملف الهجرة، حسب ما كشفت عنه رشا سري، المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي في القاهرة، وأوضحت أن الدعم يتم وفق أولويات حكومة السيسي، ويشمل مشاريع لمعالجة أسباب الهجرة ودعم اللاجئين ومراقبة الحدود البرية والبحرية.
ويُضاف إلى ذلك اتفاق الشراكة الذي تم توقيعه في مارس 2024، والذي يشمل 200 مليون يورو جديدة ستُصرف خلال الفترة من 2024 إلى 2027، و40 مليون يورو إضافية لمفوضية اللاجئين في مصر منذ عام 2016، بينها 14 مليونًا خلال الشهور الأربعة الأولى فقط من عام 2025.
لكنّ الدعم الأضخم جاء مؤخرًا، إذ توصل مجلس الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مبدئي مع البرلمان الأوروبي لمنح مصر حزمة مساعدات مالية بقيمة 4 مليارات يورو، كجزء من "شراكة استراتيجية" لدعم الاقتصاد المصري ومواجهة تحديات الهجرة والتنمية.
ووفقًا للاتحاد الأوروبي، فإن صرف هذه المساعدات سيكون مشروطًا بتنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي للفترة من 2024 إلى 2027، فضلًا عن تطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية تُحدّد بالتنسيق مع المفوضية الأوروبية، تشمل تحسين بيئة الأعمال، دعم الاقتصاد الأخضر، وتعزيز الرقابة على الحدود.