أثار تفكيك شبكة دولية لتهريب المهاجرين غير الشرعيين من مصر إلى الولايات المتحدة، عبر فرنسا، في مايو 2025، عاصفة من الجدل السياسي والدبلوماسي، وأعاد فتح ملفات حساسة تتعلق بالهجرة غير النظامية في عهد النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي، وقد كشفت التحقيقات التي قادتها السلطات الفرنسية، بالتعاون مع وكالة "يوروبول"، أن الشبكة كانت تنشط عبر مطارات القاهرة وباريس، وتستخدم وثائق مزورة وطرقًا ملتوية للوصول إلى الأراضي الأمريكية، واعتبر مراقبون أن هذا التطور يضرب صورة السيسي التي حاول تسويقها في الغرب كضامن لأمن الحدود وكابح للهجرة غير الشرعية.
خدع أوروبا بـ"فزّاعة البحر"
منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013، استخدم السيسي ملف الهجرة غير الشرعية كورقة ضغط ضد أوروبا، ملوحًا دومًا بأن عدم دعمه سيؤدي إلى تدفقات غير مسبوقة للمهاجرين نحو شواطئ القارة العجوز، وقد حصل نظام الانقلاب المصري، بحسب تقارير المفوضية الأوروبية، على ما يزيد عن 6 مليارات يورو في صورة مساعدات مباشرة وغير مباشرة بين 2016 و2024، تحت غطاء "مكافحة الهجرة".
ورغم ذلك، أظهرت تقارير فرنسية وألمانية، من بينها تقرير لمجلة "دير شبيغل" في أكتوبر 2024، أن المهربين لا يزالون ينشطون من الأراضي المصرية، بل بتواطؤ من بعض عناصر الأمن، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية التي تدفع الشباب للهروب بأي ثمن.
تصريحات وآراء خبراء في سياسات الهجرة
يرى خبير سياسات الهجرة الألماني الدكتور فولفغانغ هارتمان أن "النظام المصري فشل في تقديم حلول اقتصادية حقيقية تدفع الشباب للبقاء، وبالتالي فإن القمع السياسي والفقر أصبحا أكبر دافعين للهجرة"، وأشار إلى أن "ما يسمى بالاستقرار الذي يروج له السيسي، ما هو إلا استقرار أمني هش يخدم المصالح الغربية مؤقتًا لكنه لا يعالج جذور المشكلة".
وأضافت الباحثة الفرنسية كلير ديبوا، المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، أن "اعتماد الاتحاد الأوروبي على أنظمة استبدادية مثل نظام السيسي، لا يحل أزمة الهجرة بل يعمقها، لأن تلك الأنظمة تنتج لاجئين ومهاجرين أكثر مما تمنعهم".
ويرى خبراء الهجرة أن سياسات السيسي في التعامل مع ملف الهجرة تفتقر إلى الشفافية والفعالية، وتعتمد بشكل أساسي على القمع والابتزاز بدلاً من الحلول التنموية، فيقول الدبلوماسي المصري السابق جمال بيومي إن التعاون مع أوروبا في ملف الهجرة يجب أن يرتكز على التنمية المستدامة ومكافحة الفقر في مصر، وليس فقط على منع تدفق المهاجرين بالقوة.
وصرح الخبير في سياسات الهجرة الدكتور فرانك شرايبر، من المركز الأوروبي للدراسات الأمنية، في تصريحات صحفية: "الاتحاد الأوروبي يدرك أن مصر تحوّلت من دولة عبور إلى دولة مصدر للمهاجرين، وهذه الشبكة دليل على أن الفساد والفقر والإحباط يدفعون الشباب إلى الهروب بأي ثمن، رغم المخاطر، الدعم الأوروبي للسيسي بات محل تساؤل داخل دوائر صنع القرار في بروكسل.".
موقف الاتحاد الأوروبي من السيسي
رغم الانتقادات، يواصل الاتحاد الأوروبي تعزيز علاقاته مع نظام السيسي، حيث تم رفع مستوى الشراكة بين الطرفين إلى "شراكة استراتيجية وشاملة" في مارس 2024، تشمل التعاون السياسي والاقتصادي والأمني.
المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط دوبرافكا سويتشا أكدت في لقاءاتها مع السيسي أهمية دعم الاستقرار في المنطقة، مع التركيز على ملف الهجرة والتنمية.
البرلمان الأوروبي.. لا مساعدات بلا حقوق
لكن الاتحاد الأوروبي يواجه انتقادات داخل أجهزته البرلمانية بسبب استمرار الدعم لنظام يواجه اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، فمواقف مؤسسات الاتحاد بدأت تشهد تحولًا، ففي تقرير للجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي، صدر في مارس 2025، اعتبر النواب أن "مصر لم تفِ بالتزاماتها الحقوقية، وأن سياسات القمع الواسعة تُعد من العوامل الأساسية في ازدياد الهجرة غير النظامية".
التقرير دعا إلى "مراجعة شاملة لسياسات الدعم الأوروبي لمصر، خاصة في ملفات الأمن والهجرة"، كما صوّت البرلمان الأوروبي، في أبريل 2025، بأغلبية 67% لصالح قرار غير ملزم يطالب المفوضية الأوروبية بربط المساعدات المقدمة لمصر بتحسن واضح في ملف الحريات وحقوق الإنسان.
في موقف متقدم، دعا البرلمان الأوروبي صراحة في مايو 2025 إلى ضرورة ربط المساعدات الاقتصادية والأمنية لمصر بإصلاحات سياسية ملموسة، محذرًا من أن التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان يقوض مصداقية الاتحاد الأوروبي.
النائب الهولندي توينك فان دين بروك قال في كلمته: "لا يمكن للاتحاد أن يمول أنظمة تخلق المهاجرين ثم تبتزنا بهم".
وأضاف: "أموال دافعي الضرائب الأوروبيين يجب ألا تُستخدم لترسيخ حكم عسكري يكمم الأفواه ويُفقر الناس".
هذا التوجه يعكس إدراكًا متزايدًا بأن بقاء السيسي في الحكم لا يضمن الاستقرار، بل يُغذّي أسباب الاضطراب والهجرة الجماعية من مصر نحو أوروبا.
تكلفة العبور إلى أوروبا
تشير بيانات الأمم المتحدة لعام 2024 إلى أن تكلفة تهريب شخص واحد من مصر إلى أوروبا تتراوح بين 3500 و7000 يورو، حسب الوجهة والوسيلة.
وأوضحت المنظمة الدولية للهجرة أن معظم الرحلات تبدأ من المدن الساحلية شمال مصر، مرورًا بليبيا أو تركيا، وصولًا إلى إيطاليا أو اليونان.
وأفادت تقارير محلية أن مافيا التهريب أصبحت أكثر تنظيمًا، وتعمل أحيانًا بتواطؤ مع عناصر أمنية تسهل مرورهم مقابل مبالغ ضخمة.
وبحسب تحقيق أجرته قناة "فرانس 24" في ديسمبر 2024، فإن عائلات مصرية تضطر لبيع ممتلكاتها لتمويل تلك الرحلة، التي تنتهي في كثير من الأحيان بالغرق أو الترحيل.
الخلاصة..
تكشف فضيحة التهريب أن نظام السيسي لا يوقف الهجرة بل يُنتجها، مستغلًا الملف لابتزاز الغرب دون معالجة الأسباب الحقيقية كالقمع والفقر، ومع تصاعد الانتقادات الأوروبية، يبدو أن الدعم الدولي لهذا النظام بدأ يتآكل، بينما يظل الشباب المصري هو ضحية سياسات نظام عسكري فاشل.