قررت حكومة عبدالفتاح السيسي، تقليص إمدادات الغاز الطبيعي إلى مصانع البتروكيماويات، خاصة مصانع الأسمدة الآزوتية، بنسبة تصل إلى 50% لمدة مؤقتة بدأت منذ السبت الماضي.
وتأتي هذه الخطوة بعد أن خفضت إسرائيل إمدادات الغاز الموردة لمصر بنحو 480 مليون قدم مكعب يوميًا، نتيجة أعمال صيانة حقل «ليفياثان» الإسرائيلي، أكبر حقول الغاز في إسرائيل، والتي استمرت لمدة عشرة أيام في مايو الجاري.

مصادر متعددة من داخل قطاع البتروكيماويات وشركات الأسمدة، إلى جانب مسؤول حكومي سابق في وزارة البترول، أكدت أن تقليص الإمدادات جاء كإجراء احترازي بعد إخطار إسرائيلي رسمي منذ ديسمبر 2024 بأعمال الصيانة المرتقبة.
مع ذلك، يرى مسؤولون أن حكومة السيسي تقاعست في التعامل مع الأزمة، حيث كان بالإمكان تفادي الإضرار بقطاع الصناعة عبر الاستعداد المسبق والتخطيط الفعال.
 

خلفية الأزمة.. الصيانة وأثرها
   الحكومة الإسرائيلية أبلغت مصر بأعمال صيانة حقل «ليفياثان» قبل أشهر، وهي الصيانة التي كانت معروفة للجانب المصري منذ ديسمبر 2024.
وقد أشارت تقارير داخل وزارة البترول المصرية، غير منشورة، إلى خطط تحوطية للاستعداد لهذه الانقطاعات في شهر مايو، تضمنت توفير بدائل طاقية من المازوت لتعويض النقص في الغاز الطبيعي.

وعقدت وزارتي البترول والكهرباء عدة اجتماعات خلال الفترة السابقة للصيانة، واتفقتا على توفير 35 ألف طن من المازوت كبديل خلال فترة الانقطاع، لكن التنفيذ الفعلي جاء أقل بكثير، حيث وفرت الوزارة ما بين 20 إلى 25 ألف طن يوميًا فقط، مما أدى إلى تقليص إمدادات الغاز إلى القطاع الصناعي.
هدف هذه الخطوة كان حماية إمدادات الكهرباء الموجهة للمنازل وتجنب تكرار أزمة انقطاعات الكهرباء الواسعة التي شهدتها مصر صيف العام الماضي.
 

الغاز الإسرائيلي.. شريان مصر الطاقي ومشاكل الاعتماد
   تعتمد مصر بدرجة متزايدة على استيراد الغاز الإسرائيلي الذي يشكل 72% من إجمالي كميات الغاز المستوردة، وفقًا لإحصاءات العام الماضي.
ورغم ذلك، فإن مدفوعات الغاز الإسرائيلي تمثل 58% فقط من فاتورة الاستيراد بسبب انخفاض سعره النسبي مقارنة بالغاز المُسال.
في حالة توقف الغاز الإسرائيلي، سيضطر الاقتصاد المصري إلى استيراد كميات أكبر من الغاز المُسال بأسعار أعلى، مما سيضاعف فاتورة الطاقة.

مصدر حكومي أكد أن تقليص إمدادات الغاز للصناعة لا يعود لضغوط إسرائيلية لرفع السعر، وإنما إلى «تقاعس حكومي» في التعامل مع الأزمة على الرغم من الإخطار المبكر.
وتجري الآن مفاوضات بين الجانبين المصري والإسرائيلي لمراجعة سعر الغاز؛ حيث تسعى إسرائيل لرفع السعر بنسبة 25% ليصل إلى 9.5 دولار للمليون وحدة حرارية، مقابل رغبة مصر في زيادة كمية الغاز المستورد إلى 1.5 مليار قدم مكعب يوميًا، مقارنة بواردات حالية لا تتجاوز 900 مليون قدم مكعب يوميًا.
 

تأثير تقليص الغاز على الصناعة والكهرباء
   مصادر من شركات الأسمدة الحكومية اعتبرت أن تقليل إمدادات الغاز للصناعة قرار سياسي استراتيجي اتخذته الحكومة لتفادي أزمة كهرباء قد تؤثر على حياة المواطنين وتفتح الباب أمام غضب شعبي واسع، على غرار ما حدث صيف 2024.
ويستهلك قطاع الكهرباء حوالي 60% من الغاز الطبيعي في مصر، فيما تستهلك الصناعات البتروكيماوية، وبخاصة مصانع الأسمدة، حوالي 20%.

التقليص المفاجئ لإمدادات الغاز وضع مصانع الأسمدة والبتركيماويات في وضع صعب، حيث تم تقليص الإنتاج وتأجيل بعض الخطط التوسعية.
أحد المسؤولين في قطاع الصناعة أكد أن هذا التقليص قد يستمر حتى أسبوعين أو أكثر، في انتظار وصول شحنات الغاز المُسال الجديدة.
 

فجوة إنتاج الغاز المحلي
   أحد العوامل الحاسمة في الأزمة الحالية هو الانخفاض الحاد في إنتاج مصر المحلي من الغاز، الذي تراجع خلال الثلاث سنوات الماضية إلى حوالي 4.1 مليار قدم مكعب يوميًا، بينما يبلغ الاستهلاك اليومي نحو 6-7 مليارات قدم مكعب، ما يخلق فجوة تبلغ نحو ثلث الطلب.

حكومة السيسي تسعى لتعويض هذا النقص عبر استيراد الغاز الإسرائيلي والغاز المُسال، إضافة إلى استخدام المازوت في توليد الكهرباء، لكن هذه البدائل مكلفة وغير مستقرة.
نصيب مصر من إنتاج المازوت المحلي يوميًا يبلغ نحو 17 ألف طن فقط، وهو لا يغطي سوى 12% من استهلاك الكهرباء، في حين أن الحد الأقصى لمحطات الكهرباء من استيعاب المازوت هو 35 ألف طن يوميًا.