في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعصف بمصر، تُواصل السلطة القائمة الترويج لمشروعات عقارية ضخمة كمشروع تطوير مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي، كوسيلة لجذب الاستثمارات، غير أن الخبراء يعتبرون هذا المشروع نموذجًا صارخًا على استمرار النهج الفاشل في إدارة الاقتصاد، حيث تُقدَّم الواجهة السياحية على حساب أولويات التنمية الحقيقية والعدالة الاجتماعية.

صفقة غامضة بمليارات الدولارات

أعلنت حكومة الانقلاب في فبراير 2024 توقيع اتفاق مع شركة إماراتية لتطوير منطقة رأس الحكمة باستثمارات تصل إلى 35 مليار دولار، واعتبرته "أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر في تاريخ البلاد"، لكن تفاصيل الصفقة ظلت غامضة، ولم تُعلن شروط التعاقد أو نسب الشراكة أو طريقة إدارة المشروع، وهو ما أثار شكوكًا كبيرة في الأوساط الاقتصادية والسياسية المعارضة.

تصريحات رسمية لواقع مغاير

أطل رئيس حكومة الانقلاب، مصطفى مدبولي، مرارًا للتأكيد على أن المشروع سيكون "دبي جديدة على البحر المتوسط"، وسيوفر آلاف فرص العمل، إلا أن الخبراء وصفوا هذه التصريحات بأنها تكرار لخطابات سابقة رافقت مشاريع مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة، التي لم تُحقق إلا القليل من وعودها، بينما تراكمت الديون وتدهورت العملة.

تحذيرات دولية.. المشروع لا يُصلح الخلل الهيكلي

وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني أصدرت في مايو 2024 تقريرًا حذّرت فيه من الإفراط في التفاؤل بصفقة رأس الحكمة، مؤكدة أن تدفق الأموال لن يعالج الخلل الهيكلي في الاقتصاد المصري، ولن يعوّض فجوة الإنتاج والتصدير، كما رأت أن الاعتماد على الاستثمارات العقارية والسياحية لا يوفر حلولًا مستمرة لمواجهة الانهيار الاقتصادي الحالي.

رأس الحكمة لا تحلّ أزمة الجنيه

بينما يُروَّج للمشروع كأداة لتعزيز احتياطي النقد الأجنبي، كانت العملة المحلية تفقد أكثر من نصف قيمتها خلال عام واحد فقط، لتتجاوز حاجز 50 جنيهًا للدولار في السوق الموازية، بحسب مصادر محلية، هذا الانهيار انعكس مباشرة في ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وزيادة الأعباء على ملايين الأسر.

مشروع للأثرياء..

المشروع الجديد، مثل سابقيه، موجه لشريحة ضيقة من المستثمرين والمصطافين الأثرياء، ولا يخدم عموم المصريين الذين يكافحون من أجل تلبية أبسط احتياجاتهم، معارضون يرون أن هذا النمط من التنمية يُعمق التفاوت الطبقي ويكرّس الفساد عبر منح الأراضي والعقود لشركات أجنبية أو محلية محسوبة على دوائر النفوذ.

أين الشفافية؟

لم تُعرض صفقة رأس الحكمة على البرلمان، ولم تُنشر تفاصيلها عبر وسائل الإعلام الرسمية، وهو ما يُعيد إلى الأذهان مشروعات تم تمريرها سابقًا دون رقابة، وانتهت إلى تعثر أو فشل جزئي، ويرى خبراء اقتصاديون أن غياب الرقابة والمحاسبة هو ما سمح بتضخم المشاريع غير المنتجة على حساب الاقتصاد الحقيقي.

مشاريع لا تولّد وظائف حقيقية

رغم وعود الحكومة بتوفير فرص عمل، تشير الأرقام إلى أن البطالة بين الشباب لا تزال مرتفعة، وأن معظم الوظائف التي تُوفرها المشاريع العقارية مؤقتة أو منخفضة الأجر، ولا تسهم في بناء اقتصاد مستمر، ووفق تقرير البنك الدولي، فإن ما يقارب 60% من السكان يعيشون تحت خط الفقر أو قريبين منه.

 

ما هو مشروع رأس الحكمة بالأرقام؟!

  • حجم الاستثمار: أعلنت حكومة الانقلاب العسكري في فبراير 2024 توقيع اتفاقية مع شركة إماراتية ضخمة للاستثمار في مشروع رأس الحكمة بقيمة تقارب 35  مليار دولار، مما يجعله من أكبر المشروعات الاستثمارية الأجنبية المباشرة في مصر.
  • المساحة الإجمالية: المشروع يمتد على مساحة تزيد عن 45,000 فدان (حوالي 187 كيلومتر مربع)، تشمل مناطق ساحلية واسعة، وحدائق، وشواطئ، ومرافق ترفيهية وسكنية.
  • عدد الوحدات السكنية: يُخطط لإنشاء أكثر من 50,000  وحدة سكنية تتراوح بين الشقق والفيلات الفاخرة، موجهة أساسًا للطبقة الغنية والمصطافين الأجانب.
  • الوظائف المتوقعة: تروج حكومة الانقلاب بأن المشروع سيوفر أكثر من 70,000  فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في مجالات البناء، السياحة، الخدمات، والتجارة، رغم شكوك المعارضة في جدية هذه الأرقام.
  • تمويل المشروع: جزء من التمويل سيأتي عبر استثمارات شركات خاصة إماراتية وعربية، إضافة إلى قروض بنكية محلية وعالمية، يُقدر أن 70 %  من التمويل سيكون أجنبيًا.
  • مدة التنفيذ: من المتوقع أن يستمر تطوير المشروع على عدة مراحل تمتد لـ 10  سنوات، مع تسريع بعض المراحل خلال السنوات الخمس الأولى.
  • عوائد متوقعة: الحكومة تتوقع أن يسهم المشروع في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 1.5 %  سنويًا بمجرد اكتماله، من خلال عائدات السياحة والاستثمار العقاري.
  • أثر المشروع على احتياطي النقد الأجنبي: من المتوقع أن يضيف المشروع إلى احتياطي النقد الأجنبي أكثر من 5 مليارات دولار سنويًا، عبر جذب الاستثمارات وتحويلات المصطافين.
  • الموقع الجغرافي: تقع مدينة رأس الحكمة على بعد حوالي 135  كيلومترًا غرب مدينة الإسكندرية، وتمتاز بشواطئها الواسعة وموقعها الاستراتيجي المطل على البحر المتوسط.

 

الخلاصة..

يمثل مشروع رأس الحكمة استمرارًا لنهج اقتصادي ثبت فشله فالمشروع يُطرح كاستثمار ضخم يُفترض أن يعزز السياحة ويجذب رؤوس الأموال، لكنه يثير تساؤلات جدية حول جدواه الاقتصادية وشفافيته، مع استمراره في استنزاف الموارد وسط أزمة اقتصادية خانقة، ويبدو أن المشروع يخدم فئة قليلة دون أن يقدم حلولًا حقيقية لأزمات المصريين اليومية، مما يجعل نجاحه محل شك كبير في ظل غياب رؤية تنموية شاملة.