بعد نحو عامين من إطلاقه، يحيط الغموض بمصير البرنامج الحكومي لتتبع ورصد سلوكيات أسماك القرش في مياه البحر الأحمر، وسط تضارب في التصريحات الرسمية بين من يؤكد توقفه بسبب "تعثر فني وإداري"، ومن يصر على أنه "ما يزال قائمًا ويحقق نتائج أولية مشجعة".
البرنامج، الذي أطلقته وزارة البيئة المصرية في يونيو 2023 بميزانية تجاوزت 5.5 مليون جنيه، هدف في الأساس إلى مواجهة سلسلة من الهجمات المتكررة لأسماك القرش على السائحين والغواصين في البحر الأحمر، عبر مراقبة تحركاتها وفهم سلوكياتها، وتزويد الشواطئ بنظام إنذار مبكر يُجنب الزوار مخاطر مفاجئة.
ورغم الأهداف الطموحة، تشير المعلومات إلى أن المشروع توقف فعليًا بعد خطوات تجريبية أولية شملت تركيب 3 أجهزة فقط من أصل 50 تم التعاقد عليها، بينما خُزنت الـ47 جهازًا المتبقية داخل المخازن، دون استخدام، رغم أن قيمتها السوقية الحالية، بحسب مصدر رسمي، تتجاوز 20 مليون جنيه.
أجهزة متقدمة.. في المخازن
يقول مصدر في وزارة البيئة طلب عدم نشر اسمه، إن البرنامج تعثّر سريعًا بعد بدايته التجريبية، مرجعًا السبب إلى "ضعف كفاءة الخبيرة الأجنبية التي استعانت بها الوزارة لتركيب أجهزة التتبع"، موضحًا أن الوزارة استبدلت الخبيرة لاحقًا، "لكن دون إعلان أي خطة بديلة أو إعادة تشغيل للمشروع"، على حد تعبيره.
وتابع: "أجهزة التتبع المستخدمة كانت على درجة عالية من التطور التقني، لكنها لم تُستثمر كما يجب، لا في التركيب ولا في تحليل البيانات، مما أدى إلى إهدار فعلي للميزانية المخصصة"، وأكد أن الجهات المعنية لم تصدر أي إعلان رسمي عن توقف البرنامج، ما يعكس نوعًا من التعتيم الإداري حول مصيره.
تقييم علمي: التجربة فاشلة
من جانبه، وصف أستاذ علوم البحار والجيولوجيا البحرية الدكتور محمود عبد الراضي المشروع بأنه "تجربة فاشلة"، قائلاً: "مافيش أي بيانات علمية خرجت من التجربة. ماحصلش شراكة حقيقية مع المراكز البحثية، وكل شيء اتقفل داخل جهاز شؤون البيئة، وده كان سبب رئيسي في الفشل".
ويشاركه الرأي الدكتور محمود معاطي، الباحث في بيولوجيا المصايد بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد، مؤكدًا أن "مصر اشترت الأجهزة وركّبت 3 منها فقط، ثم توقف كل شيء، وكأن الهدف كان الشراء فقط لا الرصد العلمي". ويقارن معاطي التجربة المصرية بنماذج عالمية مثل "Red Sea Sharks" التي وصفها بالفعالة والشاملة.
وزارة البيئة: البرنامج مستمر
في المقابل، نفى مصدر مسؤول آخر في وزارة البيئة توقف البرنامج، مؤكدًا أن الأجهزة بدأ تركيبها مطلع عام 2024، وأن "تحليل النتائج يتطلب فترات طويلة من الرصد والدراسة"، وهو ما يتماشى -حسب قوله- مع الخطة الأصلية التي حددت مدة دراسة السلوكيات بـ18 شهرًا على ثلاث مراحل.
وأضاف: "المرحلة الثالثة التي تشمل تحليل البيانات يجب أن تستند إلى تراكم بيانات كافٍ، وهي ليست فورية"، مشيرًا إلى أن الوزارة لا تزال ملتزمة بمواصلة العمل وتحقيق النتائج المرجوة.
كما سبق أن صرّح الدكتور علي أبو سنة، الرئيس التنفيذي لجهاز شؤون البيئة، بأن النتائج الأولية للبرنامج "مشجعة"، لكنها تتطلب عدة سنوات لفهم سلوكيات أسماك القرش بشكل علمي دقيق.
سلسلة هجمات دموية
خلف هذا الجدل، تظل حوادث هجمات أسماك القرش على شواطئ البحر الأحمر تلقي بظلالها الثقيلة على السياحة، أحد أهم مصادر الدخل القومي لمصر.
فمنذ عام 2009، سجلت السواحل المصرية العشرات من الحوادث المميتة، أبرزها مقتل سائحة فرنسية في مرسى علم، تلاها هجمات قاتلة في شرم الشيخ، والقصير، والغردقة، ودهب، راح ضحيتها سائحون ألمان وتشيكيون وروس، وآخرهم سائح في مرسى علم العام الماضي، فيما أُصيب عدد آخر بجروح خطيرة.