منذ انقلاب 2013 بقيادة عبد الفتاح السيسي، دخلت مصر في مسار انحداري حاد على المستويين السياسي والاقتصادي. وقد تفاقم هذا الوضع في ضوء إصرار النظام على الإبقاء على المنظومة التشريعية الحالية، خصوصًا ما يتعلق بقوانين الانتخابات البرلمانية لمجلسي النواب والشيوخ، رغم المطالب المتكررة من قوى المعارضة وتوصيات لجان الحوار الوطني بضرورة إدخال تعديلات جوهرية تحقق الحد الأدنى من العدالة السياسية.

 

إصرار على تقنين الإقصاء

في مايو 2025، أعلنت السلطات المصرية عن مشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانوني مجلس النواب والشيوخ. لكن التعديلات اقتصرت على إعادة توزيع الدوائر الانتخابية بناءً على بيانات إحصائية حديثة، دون المساس بالنظام الانتخابي نفسه، الذي يعتمد على القوائم المغلقة المطلقة والنظام الفردي، هذا النظام المزدوج، الذي جرى تكريسه منذ تعديل 2020، يمنح النظام الحاكم قدرة شبه مطلقة على هندسة نتائج الانتخابات لصالح القوائم المدعومة من الدولة.

في تجاهل واضح لتوصيات جلسات الحوار الوطني، التي انطلقت عام 2022 بمشاركة أحزاب سياسية متنوعة، رفضت السلطات اعتماد أي مقترحات لإصلاح منظومة الانتخابات، بما في ذلك التحول إلى نظام القائمة النسبية أو النظام المختلط الأكثر عدالة، هذا التجاهل يعكس بوضوح إصرار السلطة على تكريس الوضع القائم، وتقنين إقصاء الأحزاب المعارضة، التي طالبت مرارًا بتعديلات تضمن التمثيل الحقيقي والتعددية السياسية.

 

الهيمنة التشريعية.. برلمان على مقاس السلطة

يبلغ عدد أعضاء مجلس النواب 568 عضوًا، ومجلس الشيوخ 300 عضو، ينتخب ثلثاهم فقط، فيما يعين رئيس الجمهورية 100 عضو في مجلس الشيوخ، ما يتيح للنظام ضمان أغلبية مريحة، كما أن تعديل توزيع الدوائر الانتخابية لم يُلبِ مطالب المعارضة، بل جاء منسجمًا مع رغبة السلطة في الحفاظ على التوازنات المريحة لها، دون أدنى اعتبار لمعايير التمثيل العادل.

 

المشاركة الشكلية.. إعادة إنتاج البرلمان الموالي

في ظل هذا الجمود، يبدو أن الانتخابات المقبلة ستعيد إنتاج برلمان بلا معارضة حقيقية، كما حدث في انتخابات 2020، حين حصلت قوائم "الوطنية من أجل مصر" المدعومة من الدولة على أكثر من 80% من المقاعد، بينما غابت الوجوه المعارضة عن المشهد التشريعي.

 

غياب الثقة.. عزوف متوقع عن المشاركة

تُظهر مؤشرات ميدانية واستطلاعات محدودة الانتشار عزوفًا متزايدًا لدى المواطنين عن المشاركة في الانتخابات، بسبب غياب الثقة في جدية العملية السياسية، ويعكس هذا المناخ إحباطًا عامًا من ضعف التمثيل السياسي وغياب المنافسة الحقيقية، وهو ما يؤثر سلبًا على شرعية المؤسسات المنتخبة.

 

المعارضة في مأزق

النتيجة الطبيعية لهذا الإغلاق السياسي هي حالة ارتباك داخل الأحزاب المعارضة، التي لم تستطع حتى الآن بلورة موقف واضح بشأن المشاركة في الانتخابات القادمة، فالمشاركة في ظل القواعد الحالية قد تعني الدخول في مسرحية سياسية محسومة النتائج مسبقًا، بينما المقاطعة قد تعني مزيدًا من التهميش. وهكذا، تجد المعارضة نفسها أمام خيارات جميعها مكلف سياسيًا، في وقت تتعرض فيه لقمع مستمر وإقصاء إعلامي ممنهج.

 

أرقام وتواريخ تكشف استمرار احتكار السلطة

الأرقام والتواريخ التي تظهر فشل إدارة السيسي في تحقيق تمثيل عادل للمواطنين في مصر تتعلق أساسًا بعدم تعديل قوانين الانتخابات البرلمانية رغم التوصيات الصادرة عن لجان الحوار الوطني، مما أدى إلى استمرار نظام انتخابي يحد من مشاركة الأحزاب.

  • لم تُجرَ أي تعديلات جوهرية على قوانين انتخاب مجلس النواب ومجلس الشيوخ حتى عام 2025، رغم مطالب الأحزاب المعارضة بإصلاحات تضمن تمثيلًا أكثر عدالة وشمولًا.
  • نظام الانتخابات الحالي يعتمد على نظام القوائم المغلقة المطلقة والنظام الفردي، ويتيح فوز قائمة بأكملها بمجرد حصولها على أعلى الأصوات، مما يقيد فرص الأحزاب الصغيرة والمتوسطة في التمثيل.
  • في أبريل 2015، شهدت أفريقيا تدهورًا في احترام حدود فترات الرئاسة، وهو أمر مرتبط بزيادة الفساد وانخفاض الحريات المدنية، وهو ما ينطبق على مصر التي ألغت حدود فترات الرئاسة في دستور 2019، مما سمح للسيسي بالبقاء في السلطة حتى 2030 على الأقل، وهو مؤشر على ضعف المؤسسات الديمقراطية.
  • تجاهل تعديل قوانين الانتخابات أدى إلى استمرار احتكار السلطة، حيث يبلغ عدد أعضاء مجلس النواب 568 عضوًا ومجلس الشيوخ 300 عضو ينتخب ثلثاهما فقط بينما يعين الرئيس 100 عضو في مجلس الشيوخ، ما يضمن للنظام أغلبية مريحة.
  • الدراسات تشير إلى أن غياب البنية القانونية التي تنظم العملية الانتخابية بشكل عادل وعدم اختيار نظام انتخابي يحقق تمثيلًا عادلًا لجميع فئات المجتمع، تسبب في فشل الانتخابات في دعم بناء المؤسسات الديمقراطية في مصر.
  • فشل الانتخابات في تحقيق تمثيل عادل يعكس فشل الانتقال الديمقراطي، ويؤدي إلى تفاقم الانقسام الاجتماعي والسياسي، ويزيد من حالة الاستقطاب والاحتقان الشعبي.

 

باختصار، الأرقام والتواريخ المهمة هي:

  • إبقاء قوانين الانتخابات دون تعديل جوهري حتى 2025.
  • إلغاء حدود فترات الرئاسة في دستور 2019.
  • استمرار نظام انتخابي مركزي يضمن هيمنة النظام على البرلمان.
  • عدد أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ مع تعيين رئاسي لـ100 عضو في مجلس الشيوخ.

هذه المؤشرات مجتمعة تظهر فشل إدارة السيسي في تحقيق تمثيل عادل للمواطنين، وتعكس أزمة ديمقراطية عميقة في مصر.

 

الفشل ممتد من السياسي إلى الاقتصادي

لا تقتصر مظاهر الفشل على المشهد السياسي، بل تمتد لتشمل الاقتصاد المصري، الذي يعاني من تضخم قياسي، وبطالة متفاقمة، وتراجع في قيمة العملة، وزيادة غير مسبوقة في الدين الخارجي. السياسات الاقتصادية التي تبناها النظام لم تحقق أي تحسن ملموس في مستوى معيشة المواطنين، بل زادت من حدة الاحتقان الشعبي وفقدان الثقة في قدرة الدولة على إدارة الأزمات.

 

خطاب السلطة.. دعوات وممارسات استبدادية

رغم تكرار الخطاب الرسمي حول أهمية المشاركة السياسية والانفتاح، فإن ممارسات السلطة تعكس نهجًا مضادًا تمامًا، فغياب الضمانات الحقيقية لنزاهة الانتخابات، واستمرار القبضة الأمنية، واحتكار الإعلام، كلها عوامل تنسف أية فرص لتعدد سياسي حقيقي، وبذلك، يتحول البرلمان إلى أداة شكلية في يد السلطة، لا تعكس تطلعات الشعب ولا تمثله.

 

خلاصة..

إن التحدي الأكبر الذي تواجهه مصر اليوم سياسي في جوهره، فالإصلاح الجاد يبدأ بفتح المجال العام، وتعديل قوانين الانتخابات لضمان مشاركة حقيقية، وتمثيل عادل لكافة القوى السياسية، من دون ذلك، ستظل البلاد تدور في حلقة مفرغة من الاستبداد والفشل والتدهور، مما يهدد حاضرها ومستقبلها معًا.

كما أن رفض النظام الاستجابة لتوصيات الحوار الوطني، واستمراره في فرض قوانين انتخابية تضمن له السيطرة الكاملة، يعكس استهانة واضحة بمبادئ التعددية والديمقراطية، إن استمرار هذا النهج يعمّق من الأزمة السياسية، ويزيد من عزلة النظام داخليًا وخارجيًا، فضلًا عن تغذية مشاعر الإحباط والاحتقان، ما ينذر بمزيد من عدم الاستقرار.