نشرت دويتشه فيله مقالًا تحليليًا للكاتبين محمد شريطة وجنيفر هوليس بعنوان: "ما الذي تعنيه تخفيف العقوبات عن سوريا بالنسبة للبنان؟"، تناول أثر القرار الأمريكي المرتقب برفع العقوبات عن دمشق على الساحة اللبنانية المتأزمة سياسيًا واقتصاديًا.

يفصل 85 كيلومترًا فقط بين بيروت ودمشق، لكن الخطوات الأخيرة في العاصمة السورية قد تؤثر بعمق في الداخل اللبناني. رئيس لبنان الجديد، جوزيف عون، يراقب التطورات عن كثب بعدما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته رفع العقوبات التي فُرضت منذ عقود على سوريا. ورغم الغموض المحيط بالتفاصيل، إلا أن الخطوة قد تفتح الباب أمام عودة سوريا إلى الأسواق العالمية وجذب الاستثمارات الأجنبية واستعادة الدعم الدبلوماسي من واشنطن والرياض وعدة دول خليجية.

صرّح عون قائلًا: "استقرار سوريا سينعكس إيجابًا على لبنان والمنطقة بأسرها"، واعتبر قرار ترامب "شجاعًا".
 

اللاجئون وإعادة الإعمار

هرب أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري، كثيرون منهم دون وثائق رسمية، إلى لبنان منذ اندلاع الحرب عام 2011. طالبت بيروت مرارًا بإعادتهم، مشيرة إلى أن إسقاط الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر يفتح الباب أمام عودتهم.

قال عون: "لا يمكننا الاستمرار في تصنيفهم كلاجئين"، وطرح إمكانية تصنيف كثيرين منهم كمهاجرين اقتصاديين بدلًا من طالبي لجوء.

لكن لبنان نفسه يرزح تحت أزمات خانقة. تواجه البلاد تضخمًا تجاوز 250%، وانهيارًا في القطاع المصرفي، واضطرابات سياسية متواصلة. وتفيد تقارير "هيومن رايتس ووتش" أن أكثر من 80% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر.

تفاقمت الأمور بسبب النزاع بين إسرائيل وحزب الله، ورغم التوصل إلى هدنة في نوفمبر 2024، فإن البلاد ما زالت تعاني من آثار الغارات والضغوط الأمنية. وقدّر البنك الدولي حاجة لبنان إلى نحو 11 مليار دولار لإعادة الإعمار بعد سنوات من النزاعات والتدهور والانفجار المدمر في مرفأ بيروت عام 2020.
 

فرص التكامل تتفوق على التنافس

مع بدء انفتاح سوريا على الخارج، عبّر بعض المراقبين عن خشيتهم من أن يتخلف لبنان عن الركب. قال سامي نادر، مدير "معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية" ومقره واشنطن، إن تفوق دمشق على بيروت في استعادة العلاقات مع دول الخليج يمنحها الأفضلية في اغتنام الفرص السياسية والاقتصادية.

لكن نادر رأى أن لبنان قد يربح أيضًا، مشيرًا إلى أن السوق اللبنانية التي تخدم نحو 5 ملايين نسمة، والسورية التي تخدم نحو 20 مليونًا، يمكن أن تشكّلا سوقًا موحدة كبيرة. وأوضح أن "سوريا تمثل ممرًا حيويًا لتصدير البضائع اللبنانية برًا"، وفتح هذا الممر يعني ربط لبنان بالأردن والعراق ودول الخليج.

أكد نادر أن "التكامل الاقتصادي بين لبنان وسوريا سيتفوق على أي تنافس بينهما".

من جهته، اعتبر وزير المالية اللبناني، ياسين جابر، أن مشاريع محتملة مثل مرور النفط العراقي إلى مصفاة طرابلس، ومد كابل ألياف بصرية، وربط الكهرباء بين خمس دول، إضافة إلى نقل الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان، كلها مؤشرات إيجابية.

كذلك يُتوقع أن تساهم شركات لبنانية في إعادة إعمار البنية التحتية السورية التي دمرتها الحرب.
 

عودة اللاجئين أولوية مستمرة

لم تتضح بعد مواعيد رفع العقوبات أو آليات التنفيذ. ترى كيلي بيتييو، الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن السوريين سمعوا نوايا واشنطن لرفع العقوبات، لكن التنفيذ الواقعي قد يكون معقدًا.

أشارت بيتييو إلى أن إزالة العقوبات ستعود بالفائدة أولًا على السوريين المقيمين داخل البلاد، كثير منهم يعيش في مساكن مؤقتة وتعرض للنزوح المتكرر. لكنها حذّرت من التسرع في إعادة اللاجئين، مؤكدة أن "من ابتعد عن سوريا لسنوات قد يحتاج وقتًا طويلًا لاتخاذ قرار العودة، حتى مع توفر فرص اقتصادية".

وفي ختام مقال دويتشه فيله، يتضح أن رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا يمثل منعطفًا حاسمًا في علاقات دمشق الإقليمية، لكن تأثيره الفعلي على لبنان ما زال مشروطًا بتطورات سياسية واقتصادية معقدة داخليًا وخارجيًا.

https://www.dw.com/en/what-does-syrias-sanctions-relief-mean-for-lebanon/a-72567846