تُظهر التعليقات الأخيرة حول الخلافات المزعومة بشأن إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة حقيقة واضحة: المساعدات الإنسانية خضعت للتسييس منذ البداية. ورغم ادعاء الاتحاد الأوروبي أن المساعدات "يجب ألا تُسيّس أو تُستخدم لأغراض عسكرية"، إلا أن هذا الخطاب يهدف فقط لإظهار موقف مختلف شكليًا عن الولايات المتحدة وإسرائيل. في الواقع، يعرف الاتحاد أن الفلسطينيين عالقون بين مقترح إسرائيلي جديد يُسند إيصال المساعدات إلى شركات خاصة، ونموذج دولي فاشل.
يواجه عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عوائق عديدة بسبب توقف التمويل بشكل متكرر، في الوقت الذي يدعم فيه العديد من المانحين جرائم إسرائيل الجماعية. جميع هؤلاء المانحين أيضًا يدعمون "حل الدولتين"، مما يجعل من وجود الأونروا أمرًا دائمًا، طالما لا توجد تسوية حقيقية لقضية اللاجئين. منذ البداية، قرر المجتمع الدولي تسييس المساعدات، وكان الثمن دائمًا يُدفع من حياة وكرامة الفلسطينيين.
حتى حين ينتقد بعض القادة الأوروبيين خطط واشنطن وتل أبيب، لا يعلنون موقفًا واضحًا. على سبيل المثال، دعا وزير الخارجية الهولندي كاسبر فيلدكامب إلى مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وانتقد سياسة التجويع في غزة، لكنه أضاف: "الديمقراطيات تحارب بشكل مختلف، وعلى إسرائيل الالتزام بالقانون الدولي الإنساني". لكن إسرائيل ليست ديمقراطية، بل قوة استعمارية تمارس الإبادة الجماعية. الكلمات لا تأتي عفويًا، بل تحمل نوايا سياسية. والاتحاد الأوروبي يتجنب ذكر الاستعمار والإبادة، مما يجعل من "المساعدات" مجرد حديث لا يرتبط بالفعل.
يعكس تصريح وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو التناقض ذاته حين قال: "حتى في أوقات الحرب، نحترم قواعد معينة: لا نستهدف المدنيين، لا نهاجم العاملين الإنسانيين، ونضمن وصول المساعدات". ما يجري ليس حربًا بل تجويع متعمد لترسيخ الاستعمار، وهذا يتطلب تسمية الأمور بأسمائها، لا ترديد شعارات قانونية لا تصون حياة المدنيين.
التركيز على القانون الدولي يغفل تمامًا عن الشعب الفلسطيني نفسه. القانون يجب أن يخدم الإنسان، لكنه تحوّل إلى أداة لحماية المصالح الاستعمارية على حساب الشعوب المضطهدة. النموذج الأميركي-الإسرائيلي الجديد لتوزيع المساعدات يكشف تدهورًا أكبر، حيث تُسلَّم المساعدات من خلال شركات خاصة داخل "مواقع توزيع آمنة" يتوجه إليها المدنيون مرة أسبوعيًا للحصول على طرد يكفي عائلة لسبعة أيام. هذه ليست مساعدة، بل إذلال جماعي ومسح منهجي للحقوق السياسية.
هذا المسار بدأ منذ أن تأسست الأونروا كحل مؤقت واستمر كما استمرت الهيمنة الصهيونية على فلسطين. الغرب لا يستطيع الآن معالجة النتائج الكارثية لسياساته، إذ بات مهووسًا بحماية استثماراته في النموذج القائم، ولو على حساب المبادئ الأساسية للديمقراطية والتحرر.
تكشف الخطط الأميركية الإسرائيلية عن عمق التدهور، وتؤكد أن الحقوق السياسية تُسحق باسم "المساعدة". ويتحوّل الفلسطيني إلى متلقٍ مقيد بدلًا من أن يكون شعبًا صاحب قضية سياسية. لم يعارض أحد فعليًا هذه الخطة، رغم الأصوات الخافتة في أوروبا.
أخيرًا، تسهم تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين في تأكيد التوجه العدائي تجاه الفلسطينيين. وفقًا لما تداوله دبلوماسيون بريطانيون، وجّه هنري كيسنجر انتقادات لاذعة لأداء إسرائيل العسكري في حرب أكتوبر، محذرًا من أن دعم واشنطن قد لا يكون مضمونًا في المستقبل، خاصة إن اندلعت حرب جديدة. وذكر أن الإسرائيليين ضللوا الأميركيين بشأن خططهم العسكرية خلال المراحل الأخيرة من الحرب، ما يكشف هشاشة العلاقات تحت السطح.
مقال ميدل إيست مونيتور يسلّط الضوء على واقع إنساني قاتم تُستخدم فيه المساعدات كأداة ضغط، ويؤكد أن الحل الحقيقي يكمن في الاعتراف بجذور المأساة الفلسطينية وتفكيك الرواية الاستعمارية، لا في تكرار خطابات قانونية جوفاء.
https://www.middleeastmonitor.com/20250508-the-eus-discrepancies-in-humanitarian-aid-rhetoric/