نشر موقع ميدل إيست آي مقالًا للكاتب عبد عبوش حدادة يسلّط الضوء على الانقسام المتزايد داخل إسرائيل بين رؤيتين صهيونيتين متعارضتين: واحدة تتمركز في "دولة تل أبيب" ذات التوجهات الليبرالية، وأخرى في "دولة يهودا والسامرة" المزعومة (الضفة الغربية)، والتي تمثل المستوطنات الدينية اليمينية في الضفة الغربية المحتلة.

عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا من واشنطن، فأطلق خصمه السياسي بيني جانتس حملة تدعو لتوجيه ضربة ضد إيران، في وقت تعاني فيه إسرائيل من توتر اجتماعي متزايد بسبب حرب غزة وطول أمدها، إضافة إلى الإرهاق الذي أصاب قوات الاحتياط.

تسير المعارضة البرلمانية خلف نتنياهو، دون الاعتراف بخداع "النصر الكامل"، بينما تنذر أي ضربة لإيران بانفجار إقليمي واسع. في الوقت ذاته، تواصل القوات الإسرائيلية عملياتها العسكرية في سوريا، مما يعمّق ارتباكها الاستراتيجي ويورطها أكثر.

أصبحت الانقسامات داخل الدولة الإسرائيلية أكثر وضوحًا، حيث اعتقلت السلطات مسؤولًا في جهاز الشاباك بعد تسريبه معلومات حساسة إلى صحفيين ووزير بالحكومة، كما رفض وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش حضور اجتماع للمجلس الحربي بسبب مشاركة رئيس الشاباك فيه.

يخضع مكتب رئيس الوزراء لتحقيقات بشأن تسريبات أمنية، بينما تشهد الشرطة اختراقًا من نشطاء كاهانيين. وفي الوقت الذي يرفض فيه وزير الأمن القومي كبح عنف المستوطنين، يستمر الشاباك في الاصطفاف مع مؤسسات الدولة وضد معسكر نتنياهو، ما يعكس انقسامًا مؤسسيًا عميقًا.

هذا الانقسام يعكس شرخًا أوسع في المشروع الصهيوني، بين رؤية علمانية ليبرالية وأخرى دينية قومية متطرفة.

بدأت أصوات معارضة لنتنياهو تظهر من داخل التيار اليميني نفسه. شخصيات بارزة مثل موشيه يعلون ودان مريدور ودان حالوتس انتقدت مسار الحرب، ليس فقط بسبب تبعاتها العسكرية، بل لما تمثله من تهديد لهوية إسرائيل ذاتها.

يعلون، الذي قاد عمليات قاتلة في الضفة الغربية، صرّح مؤخرًا أن الجيش لا يجب أن يُرسل لقتل الأطفال في غزة، وأقرّ بأن ما يجري في شمال غزة هو تطهير عرقي. مريدور انتقد تصاعد العنصرية، وذكّر بحظر حزب كهانا في الماضي بسبب خطابه العنصري. حالوتس، القائد السابق لسلاح الجو، عبّر عن خشيته من أن يلجأ أبناؤه للهجرة بسبب ما وصفه بـ"هندسة اجتماعية" يفرضها نتنياهو، تهدد التوازن بين الاحتلال والحياة الليبرالية في تل أبيب.

رغم انتقاداتهم، لا تزال هذه الشخصيات حبيسة النظرة الأمنية الصهيونية، ولا تضع كرامة الإنسان الفلسطيني في مركز تفكيرها. الفلسطيني يبقى لديهم هامشًا لا جوهرًا.

اليمين المتطرف لا يواصل الحرب فحسب، بل يسعى لتأسيس هيمنة ثقافية ودينية طويلة الأمد. في المقابل، تتهرّب المعارضة من تقديم أي رؤية بديلة. وبينما يتقدم التيار الديني بمشروعه الأيديولوجي، تكتفي الطبقة الليبرالية بمراقبة التحول.

برغم الاتهامات بالقتل الجماعي في لاهاي، والاحتجاجات الدولية والمقاطعة الاقتصادية، تواصل إسرائيل حياتها اليومية بشكل طبيعي، ما يعكس قدرة على الانفصال النفسي عن الجرائم. الجنود يصورون مشاركتهم في الحرب وينشرونها، الجميع يعلم، والخطر الحقيقي هو اللامبالاة، لا الجهل.

هذه اللامبالاة هي ما يهدد التوازن القديم الذي سمح لإسرائيل بالازدهار داخليًا بينما تفرض السيطرة على الفلسطينيين. هذا التوازن بدأ يتآكل، واليمين المتطرف يريد استبداله بمجتمع عسكري ثيوقراطي يخوض حروبًا بلا حدود.

الخطر الأكبر في نظر النخب السابقة ليس فقط الحرب، بل احتمال هروب الطبقة الوسطى الليبرالية من تل أبيب، ما يهدد الاقتصاد والصورة الليبرالية لإسرائيل.

حتى الآن، لا يعكس خطاب هؤلاء القادة السابقين أي إدراك لحقوق الفلسطينيين أو سعي نحو مساواة. بالنسبة لهم، الأزمة الحقيقية هي فقدان إسرائيل التي عرفوها، لا المأساة المستمرة التي يعيشها الفلسطينيون.

بهذا، تبرز أزمة هوية عميقة داخل المشروع الصهيوني، وقد لا تكون الحرب في غزة سوى إحدى تجلياتها.

https://www.middleeasteye.net/opinion/israel-zionism-fractured-two-realities-opposing-visions