أعلنت باريس عن طرد 12 موظفاً في البعثة الدبلوماسية الجزائرية لديها واستدعت سفيرها في الجزائر للتشاور، وذلك رداً على قرار جزائري مماثل بطرد 12 موظفاً فرنسياً، بعد أيام فقط من بوادر تهدئة قادها الرئيسان عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون.
وفي بيان شديد اللهجة، حمّلت الرئاسة الفرنسية السلطات الجزائرية مسؤولية ما وصفته بـ"التدهور الكبير في العلاقات الثنائية"، داعية الجزائر إلى إظهار "حسّ من المسؤولية" والعودة إلى مسار الحوار. ووصف البيان الفرنسي الخطوة الجزائرية بأنها "غير مبررة وغير مفهومة"، و"تجاهل للقواعد الأساسية للإجراءات القضائية".
ووفق مصدر دبلوماسي فرنسي، فإن الموظفين الفرنسيين الذين تم طردهم "في طريقهم إلى باريس"، بعد منحهم مهلة 48 ساعة لمغادرة الأراضي الجزائرية.
هذا التصعيد الدبلوماسي يأتي بعد أقل من أسبوعين على مكالمة هاتفية بين الرئيسين تبون وماكرون، أعرب الطرفان خلالها عن الرغبة في إعادة تنشيط العلاقات الثنائية التي شهدت توتراً دام شهوراً، في ظل تعقيدات سياسية وتاريخية مستمرة منذ عقود بين البلدين.
موظف قنصلي وناشط معارض
وبحسب الرواية الجزائرية، فإن سبب التصعيد يعود إلى توقيف موظف قنصلي جزائري في العاصمة الفرنسية باريس، على خلفية ما قالت السلطات الفرنسية إنه "ارتباط محتمل بعملية اختطاف المعارض الجزائري أمير ديزاد".
لكن الجزائر اعتبرت التوقيف "إجراءً مشيناً ومخالفاً للأعراف والاتفاقيات الدولية"، لا سيما أنه تم "في الشارع ودون اللجوء إلى القنوات القانونية المتعارف عليها"، وفقاً لتصريحات كاتب الدولة الجزائري المكلّف بالجالية الوطنية بالخارج، سفيان شايب.
وأكد شايب أن الموظف يتمتع بحصانة دبلوماسية بموجب الاتفاقيات الدولية، معتبراً أن التوقيف الفرنسي "ذريعة واهية لطعن العلاقات الثنائية التي كانت بدأت تشهد تحسناً"، في إشارة إلى زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو للجزائر مطلع الشهر الجاري.
وأوضح المسؤول الجزائري أن رد بلاده عبر طرد الموظفين الفرنسيين جاء في إطار "قرار سيادي ومتوازن"، حيث شمل الموظفين المرتبطين مباشرة بوزارة الداخلية الفرنسية، محملاً الوزير برونو روتايو مسؤولية التدهور الراهن في العلاقات.
باريس: نرفض الابتزاز وسندافع عن مصالحنا
من جانبه، شدد قصر الإليزيه على أن فرنسا "ستدافع عن مصالحها" ولن تسمح بـ"الابتزاز"، مؤكداً أن استدعاء السفير ستيفان روماتيه للتشاور يعكس جدية باريس في التعامل مع ما وصفته بـ"انتهاك الجزائر لالتزاماتها، خصوصاً في ما يتعلق بالأمن القومي والتعاون في ملف الهجرة".
وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، الذي كان قد زار الجزائر مؤخراً وأعلن استعادة "كافة أشكال التعاون" معها، قال في منشور على منصة "إكس" إن الجزائر "اختارت التصعيد" وإن باريس ترد بالمثل، بما تم الإعلان عنه مسبقاً.
العلاقات الفرنسية الجزائرية.. تاريخ من الشد والجذب
يُعيد هذا التصعيد التوتر مجدداً إلى العلاقات الفرنسية الجزائرية، التي تتأرجح باستمرار بين الشراكة والتصادم، وسط حساسيات متجذّرة تعود إلى مرحلة الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830-1962) وما أعقبها من قضايا شائكة تتعلق بالذاكرة التاريخية والهجرة والجالية الجزائرية في فرنسا، فضلاً عن التنافس الإقليمي والدولي.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن مسار التهدئة الذي حاول البلدان السير فيه بعد الأزمة الأخيرة في 2023 بات مهدداً، لا سيما في ظل حساسية الملف الأمني، وتنامي الحضور الجزائري في ملفات الهجرة والطاقة والأمن في منطقة الساحل.