بينما كانت عائلة محمد حسن هلال تنتظر لحظة الإفراج عنه بعد قضاء خمسة أعوام كاملة خلف القضبان، جاءهم خبر وفاته ليمحو كل أمل، ولكنّ الفاجعة لم تكن في الموت ذاته، بل في الظروف الغامضة والدموية التي أحاطت به، داخل سجن بدر 3، ثم مستشفى قصر العيني، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة.

محمد، الشاب الثلاثيني، الطالب بكلية الهندسة والمقيم في حي مدينة نصر، دخل السجن في عام 2016 بتهمة ذات طابع سياسي، وأكمل مدة حكمه. إلا أن الإفراج لم يتم، وتم تدويره على ذمة قضية جديدة، في ممارسة باتت شائعة تُعرف بـ"التدوير"، تُعيد بها السلطات الزج بالمعتقلين السياسيين في قضايا مختلفة بذات الاتهامات، ما اعتبرته منظمات حقوقية انتهاكًا صارخًا للقانون والدستور والمواثيق الدولية.

 

"نُقل في غيبوبة تامة"

وفق ما وثقته "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، تم نقل محمد هلال في حالة حرجة إلى وحدة العناية الفائقة بمستشفى قصر العيني، مكبّل اليدين والقدمين، رغم كونه في غيبوبة تامة.

خضع لعملية جراحية طارئة لوقف نزيف داخلي في الجمجمة، وكشفت الفحوصات عن كسر في الجمجمة واليدين، وإصابات داخلية مروعة، ما رجّح لدى المنظمة الحقوقية فرضية تعرضه لـ"تعذيب شديد أو اعتداء بدني ممنهج".

ورغم خطورة الوضع، فإن السلطات لم تُصدر بيانًا رسميًا يوضح الملابسات، ولم يُفتح أي تحقيق معلن، في وقت تُصرّ فيه عائلته على أن ما جرى لمحمد هو "جريمة قتل خارج إطار القانون".

 

صمت رسمي واتهامات حقوقية

حمّلت الشبكة المصرية المسؤولية الكاملة لكل من النائب العام المستشار محمد شوقي عياد، ووزير الداخلية محمود توفيق، وإدارة سجن بدر 3، داعية إلى تحقيق دولي عاجل وشفاف.

كما وصفت وفاة هلال بأنها "جريمة تصفية جسدية مكتملة الأركان"، مشيرة إلى أن ما جرى ليس استثناءً بل جزء من نمط متكرر داخل السجون، خصوصًا الحديثة منها التي بُنيت تحت شعارات تحسين أوضاع الاحتجاز، ولكنها باتت بحسب وصف المنظمة "مسالخ بشرية".

 

قضية هلال ليست وحيدة: سجن بلا رحمة

الوقائع الأخيرة داخل منظومة السجون تشير إلى أزمة ممتدة تتجاوز الإهمال الطبي لتصل إلى دائرة القتل البطيء أو المباشر.

ففي اليوم ذاته، قررت دائرة الإرهاب بمحكمة جنايات القاهرة تجديد حبس الطبيب الأكاديمي شريف السقا والصحافي محمد سعد خطاب، رغم التدهور الشديد في صحتهما، دون فتح أي تحقيقات طبية أو قانونية في شكواهم المستمرة من التعذيب وسوء المعاملة.

خطاب، على وجه الخصوص، يعاني من مرض مناعي خطير وأمراض مزمنة في القلب والضغط والسكري، وتجاهلت النيابة مطالب عرضه على لجنة طبية متخصصة، فيما تجدد المحكمة حبسه بشكل روتيني دون مثوله الكامل للتحقيق.

 

زنزانة تتحول إلى وكر فئران

وفي حادثة تعكس الإهمال البيئي والصحي داخل مقار الاحتجاز، تقدم المحامي ناصر أمين ببلاغ رسمي للنائب العام، بصفته وكيلاً عن زوجة الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق، يفيد بتحول زنزانته في سجن "تأهيل 6" إلى بيئة موبوءة بالفئران الجبلية كبيرة الحجم، وسط مخاوف من تفشي أمراض مثل الطاعون والسعار.

وتحدث البلاغ عن صور موثقة تُظهر الفئران تتجول بحرية داخل الزنازين، وتحديدًا خلال الليل، وغياب تام لأي تدخل من إدارة السجن رغم التحذيرات السابقة.

 

"الموت ليس استثناءً... بل سياسة"

تشير منظمات حقوقية محلية ودولية إلى أن ما يحدث في السجون تجاوز حدود "الإهمال" إلى "السياسة الممنهجة". سياسة تنطوي على "سحق الأجساد والمعنويات، وحرمان المعتقلين من أدنى حقوقهم القانونية والإنسانية".

ويُعد سجن بدر أحد أبرز هذه الأمثلة، حيث توثقت خلال الشهور الماضية عشرات الانتهاكات بحق المعتقلين، من حبس انفرادي مطوّل، وحرمان من الزيارة، وتعذيب نفسي وجسدي، ورفض العلاج.

وفي الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون مراكز الاحتجاز أماكن للإصلاح وإعادة التأهيل، تحولت – وفق وصف الشبكة – إلى مقابر مغلقة بلا شواهد، تُمارس فيها انتهاكات غير قابلة للمراجعة أو المساءلة.

https://www.facebook.com/ENHR2021/posts/691149463266116?ref=embed_post