تواجه أوروبا أزمة غير مسبوقة منذ تفكك الدول والصراعات السياسية في التسعينيات. وسط تصاعد التهديدات العسكرية من روسيا وتراجع الدعم العالمي لأوكرانيا، إلى جانب تراجع التزام الولايات المتحدة بأمن أوروبا، تجد القارة نفسها مجبرة على الاعتماد على نفسها أكثر في القضايا الأمنية.

الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب ألمحت مرارًا إلى تقليص دعمها غير المشروط لأوكرانيا، بل وهددت مرارًا بالانسحاب من الناتو، مما أثار مخاوف بشأن الفراغ الأمني الذي قد تتركه هذه الخطوة. ومع تعداد القوات الأمريكية في أوروبا الذي يبلغ حوالي 80 ألف جندي، فإن انسحابها سيترك القارة في وضع أمني هش.

 

قدرات أوروبا العسكرية غير كافية

تشير التقديرات إلى أن أوروبا بحاجة إلى 1400 دبابة، و2000 مركبة قتال مشاة، و700 قطعة مدفعية، بالإضافة إلى 300 ألف جندي جديد لمواجهة التهديد الروسي. في ظل هذه الظروف، تكافح الدول الأوروبية حتى لتوفير قوة دعم عسكري لأوكرانيا تصل إلى 30 ألف جندي، بينما يظل انضمام الشباب الأوروبيين إلى الجيوش ضعيفًا.

 

تركيا: ركيزة أساسية في الدفاع الأوروبي

مع تصاعد الحديث عن إمكانية انسحاب الولايات المتحدة من الناتو، بدأ قادة أوروبا في البحث عن بدائل للحفاظ على الأمن القاري. إحدى الحلول المطروحة هي تعزيز القدرات الدفاعية لدول أوروبا بشكل مستقل، وهو ما يشمل زيادة المساهمة المالية والعسكرية من الدول الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.

لكن الدور التركي يبرز كعنصر أساسي في أي خطة دفاعية أوروبية مستقبلية. وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، شدد مؤخرًا على أن أي هيكل أمني أوروبي لا يمكن أن ينجح بدون تركيا، مشيرًا إلى أن استبعاد أنقرة من هذه المنظومة سيكون "غير واقعي".

تمتلك تركيا ثاني أكبر جيش في الناتو بعد الولايات المتحدة، مع قوة برية قوامها 800 ألف جندي (بما في ذلك الاحتياط)، وآلاف الدبابات، وسيطرة استراتيجية على ممرات بحرية حيوية مثل البحر الأسود ومضيق البوسفور. علاوة على ذلك، عززت تركيا صناعتها الدفاعية وأصبحت موردًا رئيسيًا للأسلحة والطائرات المسيرة، التي أثبتت فعاليتها في عدة نزاعات إقليمية.

 

تركيا وأوروبا: شراكة أمنية متزايدة

شهدت السنوات الأخيرة توقيع عدة اتفاقيات دفاعية بين تركيا ودول أوروبية، مثل شراكة شركة "بايكار" التركية مع "ليوناردو" الإيطالية في إنتاج الطائرات المسيرة، واستحواذ تركيا على شركة "بياجيو" الإيطالية للطيران، بالإضافة إلى صفقة الصواريخ "ميتيور" مع فرنسا. كما لعبت تركيا دورًا دبلوماسيًا رئيسيًا في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث عملت كوسيط بين موسكو وكييف.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أشار مؤخرًا إلى أن "الأمن الأوروبي بدون تركيا لن يكون ممكنًا"، مؤكدًا على استعداد أنقرة لتعزيز التعاون مع أوروبا في مختلف المجالات، بما في ذلك الأمن والاقتصاد والتجارة.

 

عقبات أمام الدور التركي في الدفاع الأوروبي

مع ذلك، هناك عقبات تعترض طريق قبول تركيا كلاعب رئيسي في الدفاع الأوروبي. بعض الدول الأعضاء في الناتو والاتحاد الأوروبي لا تزال مترددة في قبول النفوذ التركي، ومن بينها اليونان التي تحاول الضغط على فرنسا لإيقاف صفقة صواريخ "ميتيور" مع أنقرة. كما قد تواجه تركيا معارضة من جهات سياسية داخل أوروبا، سواء من اليمين المتطرف أو اليسار، لأسباب أيديولوجية مختلفة.

إضافة إلى ذلك، هناك جهات خارجية قد تسعى إلى عرقلة صعود تركيا كقوة إقليمية، مثل روسيا أو إسرائيل، التي قد تعتبر النفوذ التركي المتزايد تهديدًا لمصالحها.

 

اتجاه أوروبي متزايد نحو التعاون مع تركيا

رغم هذه التحديات، هناك إشارات على أن الدول الأوروبية أصبحت أكثر تقبلًا للدور التركي. وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب صرح بأن تركيا يمكن أن تساهم في البنية الأمنية الأوروبية نظرًا لقوة جيشها وكفاءته، مشيرًا إلى أهمية منح أنقرة مقعدًا على طاولة صنع القرار. كما دُعي وزير الخارجية التركي لحضور قمة أمنية حول أوكرانيا في لندن، وهو ما فسره المحللون على أنه إشارة إلى تحول في النهج الأوروبي تجاه تركيا.

في النهاية، يبدو أن أوروبا بدأت تدرك أن التعاون مع تركيا قد يكون ضروريًا لمستقبل أمنها، خاصة في ظل احتمالية انسحاب الولايات المتحدة من التزاماتها تجاه القارة. السؤال الذي يبقى هو: هل ستتغلب الدول الأوروبية على خلافاتها السياسية وتتقبل دور تركيا كركيزة أساسية في دفاعها الجماعي؟

 

https://www.middleeastmonitor.com/20250326-is-europe-ready-to-accept-turkiyes-defence-of-the-continent/