تشهد الساحة السياسية الدولية تغييرات جذرية مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المشهد، حيث يتخلى عن التزامات واشنطن تجاه أوروبا، مما يترك الأخيرة في مأزق أمني وسياسي.
فقد أصبح لجوء القادة الأوروبيين إلى واشنطن، كما فعل الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نمطًا متكررًا لمحاولة احتواء قرارات ترامب الصادمة بشأن فلسطين وأوكرانيا.
ترامب لم يكتفِ بزعزعة الوضع الراهن، بل أثّر بشكل دائم على سياسات المنطقة.
فبعد أن تبنى سياسة التطهير العرقي في غزة، تحول ترحيل الفلسطينيين، الذي كان في السابق فكرة هامشية، إلى سياسة صهيونية سائدة، تحظى بدعم أغلبية الصهاينة.
ومع هذا التوجه، يتضاءل حافز أي زعيم مستقبلي للاحتلال للانخراط في مفاوضات حول إقامة دولة فلسطينية، إذ بات يُنظر إلى الصراع على أنه يمكن حله بالتهجير القسري، بدلاً من التسوية السياسية.
انهيار التحالف عبر الأطلسي
التحالف الأمريكي-الأوروبي الذي استمر منذ الحرب العالمية الثانية أصبح أكثر هشاشة من أي وقت مضى.
فبينما يدرك ترامب أن "الأوراق بيد بوتين"، تعاني أوروبا من نقص في الذخائر والمعدات العسكرية، مما يحد من قدرتها على مواجهة روسيا أو حتى دعم أوكرانيا بشكل فعال.
ونتيجة لذلك، لا تمتلك أوروبا أي استراتيجية واضحة لتحسين موقف أوكرانيا التفاوضي.
وفي ظل هذا المشهد، تتباعد المصالح الدفاعية الأمريكية والأوروبية لأول مرة منذ عقود، ما يثير تساؤلات حول مدى التزام واشنطن بأمن القارة الأوروبية.
فحتى التدخل العسكري الفرنسي في مالي عام 2013 لم يكن ليحدث دون دعم لوجستي أمريكي، وهو ما يبرز مدى اعتماد أوروبا على القوة العسكرية الأمريكية.
الاحتلال الصهيوني واستغلال التغيرات السياسية
في الشرق الأوسط، يتأثر الاحتلال الصهيوني بشكل مباشر بالتغيرات في السياسة الأمريكية، حيث باتت سلطات الاحتلال تدرك أن أي التزام أمريكي يمكن أن يُلغى مع تغيير الإدارة.
لكن قيادة الاحتلال الصهيوني لم تعتمد فقط على الدعم الأمريكي، بل استفادت من استرضاء أوروبا لها، والذي مكّنها من فرض سيطرتها على الضفة الغربية لعقود، ومنع أي تقدم حقيقي نحو إقامة دولة فلسطينية.
ومع توجه حكومة الاحتلال الصهيوني نحو اليمين المتطرف، أصبحت سياساتها تتماهى مع اليمين القومي في أوروبا، وهو ما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي هناك.
ففي حال تمكن بنيامين نتنياهو من تنفيذ خططه لتهجير الفلسطينيين من غزة، قد تجد أوروبا نفسها أمام موجة لجوء فلسطيني هائلة، مما يزيد من حدة الأزمات الداخلية لديها.
هل ستدرك أوروبا مخاطر دعم الاحتلال الصهيوني؟
استرضاء أوروبا للاحتلال الصهيوني لم يساهم فقط في استمرار الاحتلال، بل أضر أيضًا بمصالحها الإستراتيجية.
ومع تفاقم الفجوة بين الولايات المتحدة وأوروبا، قد يكون الوقت قد حان لتعيد الأخيرة تقييم موقفها من الصراع الصهيوني الفلسطيني.
فإذا أوقفت دعمها غير المشروط للاحتلال الصهيوني، هل سيظل الأخير قادرًا على التصرف بإفلات من العقاب؟.
https://www.middleeasteye.net/opinion/trump-abandoning-europe-should-abandon-appeasement-Israel