أثار قرار حكومة الانقلاب رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص إلى سبعة آلاف جنيه شهريًا، بدلًا من ستة آلاف جنيه، أزمة كبيرة في القطاع الخاص، إذ رفضت الكثير من الشركات تطبيق ذلك القرار، ما أثار مجموعة من الإضرابات العمالية والانقطاعات عن العمل طول الأسابيع الماضية.
وتعدّ هذه الزيادة هي السادسة منذ يناير 2022، حين أُقر لأول مرة حد أدنى للأجور للعاملين في القطاع الخاص، بقيمة 2400 جنيه، ثم زيادته تدريجيًا إلى سبعة آلاف جنيه اعتبارًا من مارس المقبل. وظل التنفيذ أمرًا نظريًا أكثر منه واقعيًا، إذ تشير شهادات العمال والنقابيين إلى أن أغلب الشركات والمؤسسات الخاصة لم تلتزم به، مستغلة ضعف الرقابة الحكومية والمرونة القانونية التي تسمح لها بالحصول على استثناءات من التطبيق.
وكان رئيس حكومة الانقلاب الدكتور مصطفى مدبولي قد زعم أن تطبيق هذه الزيادة قبل شهر رمضان، ضمن حزمة اجتماعية "جديدة واستثنائية" للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، ورفع قدرة العمال على مواجهة غلاء الأسعار والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد في الفترة الأخيرة.
لا زيادة للأجور في القطاع الخاص
لكن على أرض الواقع يقول الموظف في إحدى شركات التصنيع غرب الإسكندرية، محمد عاطف: "طوال السنوات الماضية، نسمع عن قرارات رفع الحد الأدنى للأجور، ولكن رواتبنا لم تزد جنيهًا واحدًا، لأن الشركة لم تلزم ذاتها بهذه القرارات، بحجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة"، وفقًا لـ"العربي الجديد".
أما الموظف في شركة لأعمال الدعاية والإعلان، أحمد سيف، فيقول: "غالبية الشركات في مختلف أنحاء البلاد لا تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور، وقليل جدًا من المؤسسات نفذت الزيادة الماضية التي أُقرّت في مايو 2024 الماضي، ورغم أن الحد الأدنى الآن أصبح سبعة آلاف جنيه، لكن في الواقع لم يتغير شيء، ما زلت أتقاضى 4500 جنيه، وعندما طالب هو وزملاؤه القائمين على إدارة الشركة بتطبيق القرار، قالوا إنهم غير ملزمين، لأن لديهم استثناء بسبب ظروف مالية، وأي زيادة في الأجور ستجعلهم مضطرين لتقليل عدد العمال".
لا حماية للعمال في مصر
يوضح الباحث الاقتصادي أحمد سامي رغم أن الدولة تتبنى خطابًا يدّعي الحرص على العمال، ولكنها في الوقت ذاته لا توفر لهم أي حماية حقيقية، فالجهات الرقابية ضعيفة، وعقوبات عدم الامتثال للحد الأدنى للأجور غير رادعة، والشركات الكبرى تمتلك نفوذًا يسمح لها بتجاهل القرارات من دون عواقب.
وتابع سامي: "في ظل الارتفاع المستمر في معدلات التضخم، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، تبدو الحاجة إلى تطبيق فعلي لقرارات رفع الحد الأدنى للأجور أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. ولكن ما لم يكن هناك ضغط حكومي حقيقي على القطاع الخاص، فإن هذه القرارات ستظل مجرد وعود للاستهلاك الإعلامي، دون أن تنعكس على أرض الواقع في حياة العمال وأسرهم".
وأردف: حتى ذلك الحين، سيبقى الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص في مصر عنوانًا للضجيج بلا طحين، في انتظار يوم يصبح فيه تطبيقه التزامًا حقيقيًا لا مجرد قرار على الورق.
ويعلق المحامي العمالي، عماد النبوي، على ذلك، "القرارات الحكومية الخاصة برفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص تظل بلا تأثير حقيقي ما دامت الرقابة ضعيفة، وما دام الاستثناء من التطبيق سهلًا، فالشركات إما ترفض التنفيذ صراحة، أو تلجأ إلى أساليب التحايل مثل زيادة عدد ساعات العمل أو تخفيض البدلات لتعويض الفارق".
ويضيف: لا تمتلك الحكومة أدوات حقيقية لفرض تطبيق قرارات الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، فمع غياب نقابات عمالية مستقلة قادرة على الدفاع عن حقوق العمال، واستمرار التضييق على النشاط النقابي، يجد العمال أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر: القبول برواتب أقل من الحد الأدنى، أو المخاطرة بفقدان وظائفهم في سوق عمل غير مستقر، وفقًا لـ"العربي الجديد".
وشدد المحامي العمالي على ضرورة وضع آليات حازمة لإجبار الشركات لتطبيق الحد الأدنى للأجور، من خلال فرض مزيد من العقوبات على المؤسسات المخالفة وربط الأجور بمعدلات التضخم لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية.
عقوبات رادعة
على مستوى رد الفعل الرسمي أكد وزير العمل، محمد جبران، أن الوزارة ستتخذ إجراءات صارمة ضد الشركات التي لا تلتزم بالحد الأدنى للأجور بعد الزيادة التي أقرها المجلس القومي للأجور برفعه إلى سبعة آلاف جنيه بدلًا من ستة آلاف جنيه، اعتبارًا من 1 مارس 2025 وبما يحقق المصلحة لأصحاب الأعمال والعمال.
وأوضح جبران، في تصريحات أن القرار لا يتضمن أي استثناءات، ويشمل جميع العاملين في القطاع الخاص، ويهدف إلى تحسين مستوى معيشة العمال في مصر، مشيرًا إلى أن قانون العمل ينص على فرض عقوبات رادعة على المنشآت التي لا تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور.

