تصاعدت حدة التوتر بين المستويين السياسي والعسكري في تل أبيب، في حين طفت على السطح الانتقادات وتراشق الاتهامات بين القيادة العسكرية في مؤشر يعكس أزمة ثقة داخل رئاسة هيئة الأركان بجيش الاحتلال.
وتجلت أزمة الثقة، من خلال تسريب رسالة استقالة أمير برعام نائب رئيس أركان الجيش إلى وسائل إعلام الاحتلال الصهيوني، وهو التسريب الذي يعبر عن الصراع الخفي داخل هيئة الأركان منذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى" قبل عام و3 أشهر.
وتعددت الرسائل التي تحملها التسريبات، إذ إنها تشير إلى التصدع وتفاقم أزمة الثقة بين القيادات العسكرية، وتلمح بأن على رئيس الأركان هيرتسي هاليفي أن يستقيل أيضا من منصبه قريبا، وهو ما يدفع إليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس.
ورجحت قراءات المحللين العسكريين أن تسريب استقالة برعام، والانتقادات للقيادة العسكرية، تعكس العلاقات المتوترة بين هاليفي والعديد من قادة الجيش، وهو التوتر الذي يصب بمصلحة نتنياهو الذي يسعى إلى تحميل المستوى العسكري كامل المسئولية عن الفشل في منع أحداث "السبت الأسود" يوم 7 أكتوبر 2023.
وتناول ثلاثة من أبرز محللي الاحتلال -عاموس هرئيل، بن درور يميني، ويوسي يهوشع – التطورات الأخيرة المتعلقة بالمفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى والوضع العسكري في غزة.
وعلى الرغم من أن كل كاتب قدم رؤيته بشكل مستقل، إلا أن القاسم المشترك في مقالاتهم هو الشعور بالهزيمة والاعتراف بتعقيد الوضع.
صفقة التبادل تحت ضغط أمريكي
وسلط عاموس هرئيل، في مقالته المنشورة بصحيفة “هآرتس” الضوء على الضغط الأمريكي الذي تمارسه إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب على حكومة نتنياهو للموافقة على صفقة تبادل الأسرى.
وأشار هرئيل إلى أن هذه الصفقة رغم كونها ضرورية لإنقاذ حياة الأسرى الصهاينة، إلا أنها تأتي بثمن سياسي وعسكري باهظ.
وقال هرئيل إن الضغط الأمريكي وصل إلى ذروته في اجتماع خاص بين نتنياهو والمبعوث الأمريكي، ما أجبر حكومة الاحتلال على القبول بتنازلات لم تكن لتقدم عليها تحت ظروف أخرى.
واعترف هرئيل بأن الصفقة لن تحقق الأهداف الكبرى التي وضعتها سلطات الاحتلال للحرب، مثل تدمير سلطة حماس أو استعادة السيطرة الكاملة على قطاع غزة.
وبدلًا من ذلك؛ يبدو أن الصفقة ستركز على إنقاذ الأسرى، مع تجاهل الأهداف الإستراتيجية المعلنة، وهو ما يثير قلقًا واسعًا بشأن مستقبل الوضع الأمني في المنطقة.
أهمية الصفقة رغم الانتقادات
من جهته؛ اعترف بن درور يميني، في مقالة بصحيفة “يديعوت أحرونوت” بأن صفقة التبادل سيئة من الناحية التكتيكية للاحتلال، لكنه شدد على أن وقف الحرب أفضل من استمرارها.
ووصف يميني استمرار القتال بأنه نزيف لا ينتهي، مشيرًا إلى أن آلاف العائلات من المستوطنين تعيش في حالة من الخوف والقلق بسبب الحرب المستمرة.
ورأى الكاتب الصهيوني أن الصفقة رغم أنها تأتي بتنازلات كبيرة، إلا أنها تمثل فرصة لاستعادة الأسرى ووقف نزيف الدماء.
ولم يغفل يميني الإشارة إلى الانتقادات الحادة التي تواجهها الحكومة من داخل اليمين الإسرائيلي، وخاصة من قبل شخصيات مثل سموتريتش وبن غفير، موضحًا أن هذه الشخصيات تعتبر أي تنازل لحماس خطرًا استراتيجيًا على أمن الاحتلال الصهيوني وهو ما يعكس الانقسام الحاد داخل الأوساط السياسية بالكيان المحتل.
الثمن الباهظ للحرب
أما يوسي يهوشع، فقد قدم في مقاله بصحيفة “يديعوت أحرونوت” رؤية أكثر تفصيلًا عن الأثمان الباهظة التي يدفعها الاحتلال نتيجة الحرب.
وأشار إلى أن العمليات العسكرية في شمال القطاع، مثل بيت حانون وجباليا، لم تحقق الأهداف المرجوة، بل أظهرت ضعفًا في التخطيط والتنفيذ، كاشفًا عن معاناة جيش الاحتلال من نقص في الموارد والتعب النفسي والبدني للجنود الذين يقاتلون منذ أشهر دون راحة كافية.
وحذر يهوشع من أن الاتفاق المتبلور، الذي يسمح بعودة سكان شمال القطاع، قد يجعل استئناف القتال في المستقبل أكثر تعقيدًا وخطورة.
وأشار الكاتب إلى الأخطاء العملياتية في توزيع المسئوليات داخل جيش الاحتلال، معتبرًا أن هذه الأخطاء تعكس أزمة أعمق في القيادة العسكرية والسياسية الصهيونية.
توافق ضمني على الأزمة
رغم الاختلاف في زوايا التحليل؛ يتفق الكتّاب الثلاثة على نقطة جوهرية: الاحتلال الصهيوني يواجه أزمة حقيقية تتجاوز المعارك العسكرية إلى أبعاد سياسية وإستراتيجية عميقة، والحرب التي بدأت بهدف تحقيق نصر واضح على حماس تحولت إلى مستنقع من التعقيدات، حيث يجد السياسيون والعسكريون أنفسهم محاصرين بين المطالب الدولية والضغوط الداخلية.
وفي ختام مقالاتهم؛ يلمح المحللون الثلاثة إلى أن الحلول المطروحة ليست مثالية، لكنها ضرورية لتخفيف حدة الأزمة الحالية.
ويشير هرئيل إلى أن الصفقة قد تكون بداية لتهدئة طويلة المدى تتطلب دعمًا دوليًا لإعادة إعمار غزة.
أما يميني فيدعو إلى تغليب المصلحة الوطنية على الاعتبارات السياسية الضيقة.
فيما يحذر يهوشع من أن الفشل في تنفيذ الاتفاق بشكل محكم سيجعل الأثمان المستقبلية أكثر فداحة.
الخلاصة.. تعكس مقالات محللي الاحتلال حالة من الإحباط والتشاؤم بشأن مستقبل الحرب والصفقة المحتملة.
ورغم اختلاف تحليلاتهم، إلا أنهم يجمعون على أن الاحتلال الصهيوني أمام مفترق طرق حاسم، حيث يبدو أن الخيارات المتاحة مكلفة ومحدودة في آن واحد.