ممدوح الولي

خبير اقتصادي ورئيس نقابة الصحفيين الأسبق

حسب بيانات جهاز الإحصاء المصري، بلغ نصيب القطاع الخاص نسبة 81.3% من مجموع المشتغلين في البلاد في عام 2023، كما بلغ نصيبه من الصادرات السلعية في نفس العام 93.6%، إلا أن تغول دور الجيش بالنشاط الاقتصادي قد قلص من نصيبه من الاستثمارات المنفذة إلى 25.5% في العام المالي 2022/2023، كما تراجع نصيبه من القروض المصرفية إلى 45.8%، بعد أن كان يتخطى 60% قبل أقل من خمس سنوات.

ومن هنا جاء الاهتمام الجماهيري بلقاء رئيس الوزراء بعدد من كبار رجال الأعمال مؤخرًا، خاصة وأنه قد تمت إذاعة اللقاء كاملاً بالفضائيات في بلد لا يشهد علانية جلسات برلمانه، ونتصور أن هدف الحكومة من هذا اللقاء كما ذكرها رئيس الوزراء هو مشاركة رجال الأعمال بتحسين صورة الاقتصاد المصري بتغيير الانطباع الحالي عنه، وجلب حصيلة صادراتهم السلعية والخدمية لداخل البلاد بدلاً من بقائها في الخارج، وتوجيه عتاب غير مباشر لخروجهم للاستثمار خارج البلاد، وإرضاء صندوق النقد الدولي الذي يطالب بدور أكبر للقطاع الخاص، وإعطاء الرأي العام انطباعًا بأن العام المقبل سيشهد تحسنًا بالأحوال الاقتصادية وخاصة نسب التضخم المرتفعة.

إلا أن الحوار كشف عن عدة أمور لم تكن معظمها معروفة للرأي العام، نذكر منها:

أولاً: أن مشكلة نقص الدولار ما زالت قائمة رغم صفقة رأس الحكمة والحصول على قروض من عدة جهات خلال العام، وأنه بدون تدبير 22 مليار دولار إضافية ستظل البلاد رهينة لعودة ظهور مشكلة النقص الحاد بالدولار، وهو ما يعنى أن بيانات الميزان الكلي لميزان المدفوعات التي تتحدث عن وجود فائض به غير حقيقية، وها هي البنوك التجارية تعاني من عجز بالعملات الأجنبية رغم زيادة تحويلات العاملين في الخارج وما حصلت عليه البلاد من قروض.

ثانيًا: أن قيمة الدين الخارجي أعلى من الأرقام المعلنة، حيث ذكر أحد رجال الأعمال أنها تتراوح ما بين 200 و250 مليار دولار، ليرد رئيس الوزراء بأن الدين الخارجي انخفض من 168 مليار دولار إلى 153 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، لكن رئيس الوزراء يتناسى وجود مشتريات للأجانب بأذون الخزانة الحكومية بقيمة 36.8 مليار دولار في منتصف العام، إلى جانب قيمة مشتريات الأجانب من أذون الخزانة الصادرة بالدولار وباليورو والتي لا يتم إعلان قيمتها، وهو نفس الحال لمشتريات الأجانب من سندات الخزانة والتي لا يتم إعلان قيمتها منذ سنوات، وكل ذلك بخلاف الديون العسكرية.

ثالثًا: بلوغ الدين العام المحلي 10 تريليونات جنيه، حيث امتنع البنك المركزي المصري عن نشر قيمة ذلك الدين منذ منتصف عام 2020، وفي ضوء دوران فائدة أذون الخزانة حول نسبة 30 في المائة فإن هذا يعني أن فائدة هذا الدين المحلي تدور حول الثلاثة تريليونات من الجنيهات، وهو أمر يرهق كاهل الموازنة الحكومية ويؤثر على إمكانية قيامها بتمويل المصروفات المعتادة من أجور ودعم واستثمارات وسلع وخدمات لإدارة دولاب العمل الحكومي.

رابعًا: أن الدخل السياحي الذي يعلنه البنك المركزي دوريًا غير حقيقي، وهو ما اعترف به رئيس الوزراء حينما أبلغه محافظ البنك المركزي بذلك، وسر ذلك هو حساب الدخل السياحي من خلال معادلة حسابية بضرب عدد الليالي السياحية البالغة في العام المالي 2023/2024 نحو 154.1 مليون ليلة، في متوسط تقديري لإنفاق السائح في الليلة يبلغ 93.3 دولار، ليصدر الرقم البالغ 14.376 مليار دولار للدخل السياحي.

لكن هذا الرقم تقديري ولم يدخل بالفعل للجهاز المصرفي مثل غيره من موارد دولارية أخرى، الأمر الذي دعا رئيس اتحاد البنوك لمناشدة رجال الأعمال بإيداع حصيلتهم الدولارية بالبنوك، كما اشترطت وزارة المالية الحصول على دعم الصادرات بإيداع نسبة من حصيلتها الدولارية بالبنوك المحلية.

خامسًا: أن أرقام دعم الصادرات أو ما يسميه رجال الأعمال رد أعباء الصادرات، التي يتفاخر بها كل من رئيس الوزراء ووزير المالية عند إعلان أرقام الموازنة الجديدة؛ لا تتحقق، فها هي الأرقام التي تغنّى بها المسؤولون مع بداية العام الماضي يتم خفضها بنسبة 70%.

وهذا ما تكرر في السنوات الأخيرة بوجود فارق كبير بين الأرقام المعلنة عند إعلان البيان المالي للموازنة وما بين أرقام ختامية لتلك الموازنة، حيث بلغت نسبة الانخفاض 44% في العام المالي 2020/2021، و40% في العام المالي التالي، و67% في العام المالي 2022/2023 واستمر الانخفاض في العام المالي التالي.

سادسًا: أن قرار منع البناء بالمحافظات ما زال ساريا منذ مايو 2020، وهو ما قال الجنرال بعد ذلك بمؤتمر عام أنه سيظل مستمرًا عشر سنوات، الأمر الذي أثر سلبًا على صناعات مواد البناء وأبرزها حديد التسليح والأسمنت، حيث زاد الاستهلاك من حديد التسليح عام 2010 قبل أربعة عشر عامًا عما كان عليه في العام الماضي والعامين السابقين له، وانخفضت مبيعات الأسمنت المحلي من 44.6 مليون طن في العام المالي 2012/2013 إلى 39.25 مليون طن في العام المالي 2022/2023 وامتد ذلك لعشرات الصناعات المرتبطة بالتشييد والبناء، ورغم إدراك رئيس الوزراء لتلك التداعيات السلبية حينما ذكر أن العقار يؤثر على 200 صناعة أخرى حيث جاء لمنصبه من موقع وزير الاسكان، لكنه لم يقترب من قرار وقف البناء لكونه صادرًا من الجنرال!

سابعًا: أن تكلفة التمويل للمشروعات تمثل مشكلة رئيسة للقطاع الإنتاجي، حين قفزت من 14% إلى 32% حاليًا، والغريب أن من ذكر نسبة الـ32% هو رئيس شركة عقارية، أعلنت قبل أيام بلوغ مبيعاتها في العام الحالي أكثر من نصف تريليون جنيه أي حوالي عشرة مليارات من الدولارات، وهو ما يعني أن الشركات الأقل ملاءة مالية تقترض بنسب فائدة أعلى من ذلك.

ومع شكوى رجال الأعمال من بلوغ نسبة الهامش الذي تحصل عليه المصارف، بين ما تعطيه للمودعين وما تحصل عليه من المقرضين، 8%، فقد تدخل رئيس اتحاد البنوك بأن ما تحصل عليه البنوك كهامش من الشركات الكبيرة يتراوح ما بين واحد إلى واحد ونصف في المائة فوق سعر الكوريدور البالغ 28.25% للإقراض، وأشارت بيانات البنك المركزي لشهر يونيو الماضي إلى بلوغ متوسط نسبة الفائدة للمودعين لمدة سنة 15.2% بينما بلغت فائدة الإقراض حتى سنة 24.9%، وهي النسبة التي تُضاف إليها بعض العمولات.

ثامنًا: أن شكوى رجال الأعمال من ارتفاع فائدة الاقتراض من البنوك لن تحل في العام المقبل، حيث ذكر رئيس اتحاد البنوك توقعه انخفاض معدل الفائدة ما بين 3 و6% في العام المقبل، وهو ما يعني انخفاض فائدة الإقراض عمليًا إلى ما بين 29 و26%، وهي نسبة عالية بالمقارنة بمعدلات الفائدة في الدول الأخرى.

ونفس الأمر لمشكلة التضخم التي قال رئيس الوزراء إنه يتوقع انخفاضه بنهاية العام المقبل إلى 12%، بينما لم يشاركه رئيس البنك الأهلب هذا التفاؤل قائلا إن البنوك لا تتوقع بلوغ التضخم لهذا الحد من الانخفاض.

تاسعًا: شكوى رجال الأعمال من ضعف تمثيلهم في المجلس الأعلى للاستثمار، والذي أعيد تشكيله في إبريل 2023 برئاسة رئيس الجمهورية و22 عضوًا منهم 12 وزيرًا وثمانية مسئولين حكوميين آخرين واثنان فقط ممثلين للقطاع الخاص، كما شكوا من التضارب ما بين الجهات الحكومية حيث تعلن رئاسة الوزارة إلغاء تحصيل نسبة 1% من الأرباح للتدريب بينما يذهب مفتشو وزارة العمل لتحصيلها من الشركات.

وكذلك الشكوى من تأخر التراخيص الصناعية واحتكار شركة مصر للطيران للرحلات الجوية الداخلية، وضعف مستوى العاملين في الحكومة خلال التعامل مع الشركات وعدم استقرار التشريعات، وعدم وضوح الهدف بمجال التصنيع ونقص الأراضي اللازمة للاستثمار الصناعي، كما أنهم يرون أنفسهم ضحية للقرارات الحكومية التي تسببت في ارتفاع السيولة وبالتالي ارتفاع التضخم ومعالجته برفع الفائدة.

عاشرًا: نتوقع استمرار نزوح الشركات المصرية للعمل في الإمارات والسعودية وباقي دول الخليج وليبيا والمغرب ودول إفريقية أخرى، وعدم تعويلهم على ما ذكره رئيس الوزراء من تشكيل لجان استشارية في مجلس الوزراء تستعين بمقترحات القطاع الخاص، فقد سبق لهم سماع ذلك من رئيس الوزراء الأسبق شريف إسماعيل حين شكل لجنة حكومية للتواصل مع رجال الأعمال عام 2015، وقرار المجلس الأعلى للاستثمار بعقد الأمانة العامة له لقاءات مع مجتمع الأعمال، وقيام رئيس الوزراء الحالي عام 2020 بتشكيل مجموعة تحسين مناخ الاستثمار من القطاع الخاص والتي لم تنتظم في اجتماعاتها مثل غيرها.