توصل صندوق النقد الدولي إلى اتفاق مع حكومة السيسي، يمكن بموجبه صرف 1.2 مليار دولار، فيما تتبقى موافقة المجلس التنفيذي للصندوق.
وقالت رئيسة وفد الصندوق للتفاوض مع حكومة السيسي، إيفانا فلادكوفا هولار، في بيان، الأربعاء، إن مصر واصلت "تنفيذ سياسات رئيسية تحافظ على استقرار الاقتصاد الكلي، رغم التوترات الإقليمية المستمرة التي تتسبب بانخفاض حاد في إيرادات قناة السويس".
وأشار البيان إلى أن مصر وافقت على "زيادة نسبة الضرائب إلى الإيرادات 2% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العامين المقبلين، مع التركيز على إلغاء الإعفاءات بدلًا من زيادة الضرائب".
وأضاف صندوق النقد الدولي أن هذا من شأنه "إتاحة المجال لزيادة الإنفاق الاجتماعي لمساعدة الفئات الضعيفة".
وتابعت هولار في البيان أيضًا، أن "مواصلة تنفيذ جهود ضبط الأوضاع المالية سيكون ضروريًا للحفاظ على القدرة على تحمل الديون وخفض تكاليف الفوائد الكبيرة".
وأضافت أن "هناك حاجة إلى حزمة إصلاحات شاملة لضمان قيام مصر بإعادة بناء الاحتياطيات المالية للحد من نقاط الضعف المتعلقة بالديون، وإيجاد مساحة إضافية لزيادة الإنفاق الاجتماعي، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية".
ووافقت مصر، التي تعاني من ارتفاع معدلات التضخم ونقص العملات الأجنبية، في مارس الماضي، على تسهيل بقيمة ثمانية مليارات دولار على مدى 46 شهرًا. وتسبب الانخفاض الحاد في إيرادات قناة السويس نتيجة التوترات الإقليمية على مدى العام الماضي في تفاقم أزمتها الاقتصادية.
ضغوط على الجنيه
وتعاني حكومة السيسي من حالة ارتباك وضغوط هائلة على الجنيه تدفع إلى تراجعه أمام العملات الرئيسة، في وقت تواجه فيه شح الدولار وضغوطًا هائلة على الموازنة العامة، التي توجه أكثر من 60% من عوائدها لدفع خدمات الديون المتراكمة بإجمالي 150 مليار دولار، وتقدر أقساطها بنحو 40 مليار دولار خلال العام المقبل.
مصر ثاني أكبر دولة مدينة للصندوق
وتشهر الحكومة شهادات مسئولي صندوق النقد الدولي، حول تحسن الأداء الاقتصادي، في وجه المعارضين للاتفاقات التي أجرتها مع الصندوق على مدار 10 سنوات، حصلت خلالها على نحو 42 مليار دولار، جعلت مصر ثاني أكبر دولة مدينة لصندوق النقد بعد الأرجنتين، بقيمة 13.2 مليار دولار حتى منتصف أكتوبر 2024. وظفت الحكومة أغلب مواردها من الصندوق في دفع تكلفة الدين وخدماته، مع ذلك سترفع الشريحة المنتظرة ديون مصر المستحقة لصندوق النقد إلى نحو 14.4 مليار دولار.
وتدفع تراكمات أزمة الديون الحكومة إلى البحث عن قروض ساخنة من البنوك التجارية الدولية ومطالبة الصندوق بفتح مناقشات جديدة للحصول على تمويل إضافي مع بداية العام المقبل، لمواجهة زيادة معدلات استيراد الغاز والمحروقات والسلع الأساسية، بنحو 70 مليار دولار، التي سترفع صافي العجز بالموازنة إلى نحو 45 مليار دولار، عام 2025-2026 وفقًا لتقديرات اقتصادية.
تدفع الأزمة الاقتصادية قيادات حزبية واقتصادية إلى مطالبة الحكومة، بالكف عن اعتمادها المطلق على خطط إصلاح اقتصادي مع الصندوق، دون وجود إصلاح سياسي يقدر الحريات ويفتح المجال العام، ويأخذ بيد رجال الأعمال المصريين والمستثمرين المحليين والأجانب، لقيادة التنمية، والحد من هيمنة القطاعات الحكومية والسيادية على إدارة الاقتصاد، وتوجيه موارد الدولة في مشروعات غير منتجة، تعمق الفقر وتؤرق الساسة والعاملين في المجال العام والاقتصاديين.
ارتفاع سعر صرف الدولار
وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي ليصل إلى مستوى 56.26 جنيه خلال العام المالي 2024/2025، ثم يواصل الصعود إلى نحو 58.39 جنيه في العام المالي التالي، ثم يرتفع إلى 59.46 جنيه في العام المالي 2026/2027، ليستقر عند مستوى 59.67 جنيه لعامين متتاليين حتى عام 2029، وفقًا لـ"رويترز".
وفي تصريحات سابقة، كان رئيس حكومة السيسي، مصطفى مدبولي، قد توقع أن يشهد سعر صرف الدولار تحركات في حدود 5% صعودًا ونزولًا. وبالفعل شهد سعر صرف الدولار مستويات تاريخية خلال التعاملات الأخيرة، وهو ما دفع المواطنين إلى الحديث مجددًا عن خسائر الجنيه مقابل الدولار الأمريكي.
وفي السياق، فقد استبعدت وكالة "فيتش سوليوشنز" للتصنيف الائتماني، استمرار ارتفاع الدولار مقابل الجنيه إلى أكثر من 50 جنيهًا في ظل تحسن معنويات المستثمرين والتدخل في السوق. وخفضت الوكالة توقعاتها لنمو اقتصاد مصر إلى 3.7% في العام المالي الحالي من 4.2% سابقًا في ظل طول فترة انقطاع المرور من قناة السويس، وفقًا لـ"العربية".
رفع أسعار الوقود والاتصالات
وقالت مصادر بالحوار الوطني إنهم فوجئوا بوثيقة الاتفاق الرابع مع صندوق النقد التي صدرت في 16 مارس الماضي، بعد نشرها على موقع صندوق النقد على شبكة الإنترنت، تتضمن تعهد الحكومة برفع أسعار الكهرباء والمحروقات والاتصالات، وتغيير قوانين الضرائب ونظام الدعم بتحويله من العيني إلى النقدي، خلال مدة لا تتجاوز 12 شهرًا، أعقبه تخفيض بقيمة الجنيه فاقت 40%، دون الرجوع إلى البرلمان والحوار الوطني المكلف من قبل مؤسسة الرئاسة، بوضع حلول سياسية للأزمة الاقتصادية المزمنة.
أكد المصدر أن هذا الإجراء أدى إلى استقالة عدد كبير من الساسة والخبراء المشاركين في لجان الحوار الوطني، وتجميد آخرين لمشاركتهم في جلسات المؤتمر الذي استمر نحو عامين، وسط تجاهل الحكومة لكافة توصياته، وفقًا لـ"العربي الجديد".
قال وزير التضامن الاجتماعي والخبير الاقتصادي جودة عبد الخالق إن الحكومة جرجرت مصر إلى اتفاقات مع صندوق النقد الدولي، جعلت الاقتصاد المصري يعاني من الهشاشة، بتجريف الأنشطة الصناعية والزراعية والإنتاجية، لصالح زيادة الروابط مع الخارج، على حساب الروابط مع الأنشطة الاقتصادية بالداخل، بما يدفع الدولة إلى التأثر بشدة بأية أزمات خارجية.
أضاف عبد الخالق إن هذه السياسات جعلت المجتمع يأكل بالدين، مطالبًا بأن يتساءل الناس عما يحدث من تزييف للوعي والقانون، جراء التصريحات التي يطلقها مسئولون حول تدفق استثمارات أجنبية وتدفقات لقروض وإعانات تمثل 90% منها قروضًا على الموازنة العامة للدولة.
الهروب من مشاكل المواطنين
يشير عبد الخالق إلى خطورة توسع الحكومة في الاقتراض، للإنفاق بإسراف خارج إمكانات الدولة بكثير، مشيرًا إلى المثل الشعبي "مد رجلك على قد لحافك" بينما خرجت أرجلنا من تحت اللحاف إلى مسافات بعيدة جدًا. يبين الوزير السابق إلى تسبب تلك السياسات في إصابة كبار المسئولين بالدولة بحالة من الهلع كلما جاءت بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، لإدراكهم أن الواقع الاقتصادي البائس لن يجعلهم بمنأى عن المشاكل التي يعاني منها المجتمع على أرض الواقع، رغم محاولة تحصنهم بشهادات دولية يصدرها صندوق النقد الدولي ومؤسسات حول تحسن الأوضاع الاقتصادية ومعدل النمو، بينما هذه الأرقام لا تعني شيئا للمواطن العادي الذي تراجعت أحواله المعيشية بدرجة خطيرة.
يشير خبراء اقتصاد إلى أنه رغم وجود مخاطر من اعتماد الحكومة على قروض صندوق النقد، والتزامها بخطط إصلاح هيكلي تتضمن بيع بعض الأصول العامة، فإن الالتزامات التي تقدمها لصندوق النقد ومؤسسات التمويل الدولية بتنفيذ بإصلاح هيكلي شامل، وحكومة البنك المركزي، سيضمن للمجتمع الشفافية في إدارة الموازنة العامة، ومنع لجوء الحكومة من استخدام الودائع الخاصة بالعملاء في تمويل مشروعات غير مدرجة بالموازنة وغير الربحية، بالإضافة توسيع الملكية العامة، عبر طرح الأصول العامة في البورصة أمام المواطنين والمستثمرين، بما يحد من قبضة الأجهزة السيادية والبيروقراطية على الاقتصاد.