بينما يحدق ملايين المصريين في أفق أفضل خارج البلاد، يسقط كثيرون منهم في شباك الاحتيال التي تنصبها شبكات التوظيف الوهمية، مدفوعة بوعود كاذبة وفرص عمل خيالية في دول الخليج، وعلى رأسها السعودية.
القصة تتكرر حيث يدفع الباحثون عن عمل مدخراتهم وأحيانًا ما ليس لديهم من أجل تأشيرة مزيفة أو عقد عمل غير حقيقي، ليجدوا أنفسهم في مواجهة مصير مجهول، بلا عمل ولا مأوى.

 

أحلام تتبخر عند الوصول.. عبد الغفار في شوارع الرياض
   أحد هؤلاء الضحايا، أيمن عبد الغفار، البالغ من العمر 30 عامًا، وصل إلى السعودية في مارس الماضي، كان يأمل في بدء عمله الجديد كسائق في مؤسسة سعودية، كما أوهمته شركة توظيف في محافظة الجيزة، لكنه وجد نفسه في منزل قديم بحي الشفا جنوب الرياض، يشاركه مع عشرين مصريًا آخرين خدعتهم الشركة ذاتها.
وبعد وعود متكررة بلا جدوى، طُرد عبد الغفار وزملاؤه من المنزل ليجدوا أنفسهم في الشوارع، بلا أموال وبلا أوراق رسمية بعد انتهاء فترة تأشيرتهم.

 

حسن اللول.. ضحية وسيط من القرية
   حسن اللول، شاب عشريني من قرية قرب المنصورة، أغراه وسيط محلي بفرصة عمل مغرية في السعودية، مقابل راتب شهري قدره 2500 ريال، استدان الشاب 50 ألف جنيه، باع بعضهم ذهب والدته، لتمويل تأشيرته وتكاليف السفر.
لكن عند وصوله إلى السعودية مع اثنين من زملائه، لم يجد أحدًا في استقباله، كانت الإجابة من الوسيط: "وصلتم إلى هناك، تصرفوا بأنفسكم".

 

محمود خليفة.. بين التسول والعودة
   قصة أخرى يرويها محمود خليفة، أربعيني من الجيزة، الذي دفع 30 ألف جنيه للحصول على تأشيرة زيارة "شخصية"، فقط ليكتشف بعد وصوله أنها لا تخوله العمل، الذي أمضى شهرًا ونصف الشهر في الشارع بمدينة جدة، يعتمد على إحسان الآخرين لتأمين طعامه، حتى أنه فكر في التسول لتغطية تكاليف العودة إلى مصر.
 

كيف تعمل شبكات الاحتيال؟ بيع الوهم بتأشيرات وهمية
   يستغل المحتالون بسطاء القرى والأحياء الشعبية، يروجون لعقود عمل في السعودية، دون أن يقدموا أي ضمانات.
كثير من هؤلاء يسافرون بتأشيرات زيارة أو عمرة لا تصلح للعمل، فيتحولون إلى عمالة "سائبة" غير قانونية.

 

ابتزاز الكفلاء
   بعد وصول الضحايا، تبدأ مرحلة أخرى من الاستغلال، "الكفيل" الذي يستصدر التأشيرة يطالب العامل بدفع مبالغ إضافية لنقل الكفالة إلى جهة عمل حقيقية، أو يهدده بالإبلاغ عنه كعامل مخالف.
أيمن عبد الغفار اضطر لدفع 4000 ريال لإتمام نقل كفالته، وهو مبلغ لا يستطيع توفيره بسهولة.

 

دائرة مفرغة من الفقر والاستغلال
   بحسب الإحصاءات الرسمية، بلغ معدل البطالة في مصر 7% في 2023، مع وجود أكثر من 8 ملايين عاطل، الذي يدفع الفقر والتضخم الكثيرين إلى القبول بأي وعود مهما كانت مشكوكًا فيها، أملًا في تحسين أوضاعهم.
 

ضعف الوعي القانوني
   يوضح المحامي أشرف عباس، المتخصص في القضايا العمالية، أن غالبية الضحايا يوقعون عقود عمل وهمية دون مراجعتها مع محامين مختصين، حتى أن بعضهم يسافر دون أي عقود، ما يعقد إمكانية محاسبة الجناة أو المطالبة بتعويضات.
 

الجهود الحكومية والتحديات.. تحذيرات لا تكفي
   تقول وزارة القوى العاملة المصرية إنها أغلقت 15 مكتب توظيف وهمي بين يوليو ونوفمبر 2023، لكنها تواجه صعوبة في تعقب كل شبكات الاحتيال.
فيما أوضح المتحدث باسم الوزارة أن المتضررين غالبًا لا يتقدمون بشكاوى بسبب افتقارهم للأدلة أو خوفهم من التبعات القانونية.