قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) الجمعة، إن وزارة الخارجية وافقت على بيع محتمل لأسلحة إلى مصر بقيمة تتجاوز خمسة مليارات دولار، تشمل تجديد دبابات أبرامز وشراء صواريخ هيلفاير.

ويشكل تجديد ودعم ومعدات الدبابة أبرامز الجانب الأكبر من صفقة الأسلحة الجديدة المعلن عنها بتكلفة تبلغ 4.69 مليار دولار، والشركة المتعاقدة هي جنرال داينامكس لاند سيستمز.

وتتضمن الصفقة تجديد 555 دبابة M1A1 إلى طراز M1A1SA، وتوفير مجموعة أدوات تحسين رؤية السائق، وأجهزة تصويب لنظام التصوير الحراري (TIS)؛ وقاذفات قنابل الدخان M250؛ وناقل الحركة للدبابات X-1100؛ وقطع الغيار، ومعدات دعم.

وذكرت وكالة التعاون الدفاعي التابعة للبنتاجون أن مصر هي الدولة الوحيدة إلى جانب الولايات المتحدة التي تنتج دبابة أبرامز الأمريكية، مشيرة إلى أن برنامج تجديد الدبابات سيحسن من تدفق معدات وأجزاء الدبابة من الولايات المتحدة إلى مصر، ما يقلل من السعر الإجمالي للوحدة.

وتنتج مصر الدبابة الأمريكية باتفاق وقعته مع واشنطن منذ 1988، على أن تنتج القاهرة 40% من المكونات مقابل إنتاج 60% من الدبابة في الولايات المتحدة ليتم نقل الإنتاج الأمريكي إلى القاهرة لتجميعه بشكلٍ نهائي.

وقالت الوكالة التابعة للبنتاجون إن الصفقة تدعم السياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكي، عبر مساعدة وتعزيز حليف رئيس خارج حلف الناتو يبقى "شريكاً إستراتيجياً مهماً في الشرق الأوسط".

وأكدت أن بيع تلك المعدات لمصر لن يغير من ميزان القوى العسكرية الأساسي في المنطقة.

 

صواريخ هيلفاير

كما ذكرت وكالة التعاون الدفاعي التابعة للبنتاجون في بيان، أن الصفقة المحتملة تشمل صواريخ هيلفاير HELLFIRE AGM-114R مقابل 630 مليون دولار ومنظومة أسلحة فتاكة دقيقة مقابل 30 مليون دولار. والمتعاقد هو شركة لوكهيد مارتن.

وأضافت أن حكومة السيسي طلبت شراء 2183 صاروخ جو-أرض من طراز هيلفاير AGM-114R، وكذلك، قطع الغيار والإصلاح.

وفي سبتمبر الماضي، أعلن البنتاجون، موافقة وزارة الخارجية على صفقة محتملة لبيع 720 صاروخ "ستينجر" لمصر مقابل 740 مليون دولار.

 

قدرات دبابات أبرامز

ودبابات "إم1 أبرامز" هي دبابة القتال الرئيسة في أمريكا منذ دخولها الخدمة عام 1980، كما أنها من بين أقوى الدبابات في العالم.

وفي يونيو 1992، أنتجت مصر أول دبابة من مصنع 200 الحربي حسبما أكدت صحيفة الأهرام الحكومية الرسمية، وبحلول 1994 كانت مصر قد أنتجت أول 100 دبابة من هذا الطراز، واستمر الإنتاج وزيادة المكون المحلي بصورة مستمرة.

 

صفقات السلاح لمصر

بحسب تقرير أصدره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "SIPRI" عام 2022 يغطي تجارة السلاح عالميًا خلال العقد الماضي (2011-2020)، شهدت صفقات السلاح لمصر في الفترة من 2013 وحتى 2017، بداية تولي قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور في البلاد بعد الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، طفرة ضخمة؛ إذ ارتفعت مشتريات الدولة من السلاح بنسبة 225% مقارنة بمتوسط شراء السلاح خلال السنوات السابقة من 2011 إلى 2013.

وإجمالاً خلال النصف الثاني من العقد الماضي، أي 2016 حتى 2020، اشترت مصر أسلحة بقيمة تخطت 34 مليار دولار تقريبًا، وشكلت واردات مصر من السلاح 5.8% من حجم واردات السلاح العالمية، وكانت روسيا هي أكبر مزود لها بنسبة 41%، تلتها فرنسا (28 بالمئة)، ثم أمريكا بنسبة 8.7%.

وبشكل إجمالي، زادت مصر وارداتها من السلاح في السنوات الخمس (2016-2020) بنسبة 136%، مقارنة بالفترة بين عامي 2011 و2015، بحسب تقرير معهد ستوكهولم. ومنذ عام 2013، أبرمت مصر العديد من صفقات التسلح أبرزها مع روسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، حيث حصلت من روسيا على مقاتلات "ميغ-29" ومروحيات "كا-52" التمساح، ومروحيات "مي-24" الهجومية، وطائرات "إيل-76" العملاقة، ومنظومات الدفاع الجوي "إس-300″ و"بوك إم2″ و"تور إم2".

بالإضافة إلى الحديث عن حصولها على منظومات "باستيون" الساحلية، و20 مقاتلة "سوخوي-35″، وتسليم 5 منها بالفعل في فبراير 2021.

كما عقدت مصر مع فرنسا صفقات غير مسبوقة شملت مقاتلات "رافال" وفرقاطات "غوويند"، وحاملات المروحيات "ميسترال"، ومن ألمانيا، اشترت مصر صفقة غواصات "تايب"، قبل أن تكشف التقارير عن طفرة هائلة في السلاح الألماني لمصر.

وكان لإيطاليا أيضًا نصيب كبير من تورتة صفقات السلاح المصرية في عهد السيسي؛ إذ اشترت القاهرة 4 فرقاطات "فريم" و20 سفينة مهام متعددة ساحلية، و24 مقاتلة يوروفايتر تايفون و24 طائرة إيرماكي إم-346 للقتال الخفيف والتدريب وقمراً صناعياً للاستطلاع والتصوير الراداري.

وأصبحت مصر، خلال الفترة من 2016-2020، تحتل المركز الثالث عالميًا في استيراد الأسلحة، وهو ترتيب مثير للدهشة، في ظل عدد من المعطيات أبرزها على الإطلاق الأوضاع الاقتصادية للدولة والشكوى المستمرة من السيسي من كون مصر "دولة فقيرة"، في معرض تبريره لرفع الدعم عن السلع الرئيسة والخدمات كالكهرباء ومياه الشرب والغاز والبنزين، إضافة إلى زيادة الضرائب والرسوم بصورة مستمرة ومطردة وضعت أعباء هائلة على كاهل الأسر المصرية.

 

أرقام فلكية دفعتها مصر لشراء السلاح

دفعت مصر لفرنسا عام 2015 نحو 5.8 مليار دولار لشراء 24 طائرة رافال وحاملة طائرات هليكوبتر وصواريخ، ثم اشترت في مايو 2021 نحو 30 طائرة رافال أخرى في صفقة بلغت قيمتها 4.5 مليار دولار. وإجمالا جاءت فرنسا في المركز الثاني بعد روسيا في قائمة أبرز موردي الأسلحة منذ تولى عام 2013 وحتى 2021.

وعلى الرغم من أن الصفقات الضخمة من الأسلحة الفرنسية لمصر أثارت ولا تزال انتقادات عنيفة بسبب حديث باريس عن حقوق الإنسان وسجل القاهرة السيئ للغاية في هذا المجال، إلا أن التعاون "الأمني والعسكري" بين مصر وفرنسا له شق آخر "سري"، لا أحد يعرف تفاصيله المالية بطبيعة الحال.

وكانت وسائل إعلام فرنسية قد نشرت تفاصيل صادمة عن قيام شركات فرنسية متخصصة في الأسلحة والتكنولوجيا بتوفير نظام مراقبة شامل يستخدمه النظام المصري في التجسس على المدنيين، تحت ذريعة محاربة الإرهاب، بموافقة الرئيس إيمانويل ماكرون.

وكشف موقع استقصائي فرنسي عن تفاصيل تتعلق بمهمة تسمى "سيرلي" هدفها التعاون بين باريس والقاهرة في مكافحة "الإرهاب" في المنطقة الحدودية بين مصر وليبيا، لكن وثائق حصل عليها الموقع كشفت استخدام "مصر معلومات استخباراتية زوّدتها بها فرنسا مخصصة لمكافحة الإرهاب، في قصف المهربين على الحدود مع ليبيا؛ مما أدى إلى سقوط مدنيين يحتمل أنهم أبرياء"، إضافة إلى انتهاكات خطيرة شهدتها العملية العسكرية السرية التي تنفذها فرنسا في مصر.

لكن كعكة صفقات السلاح الأوروبي لمصر لم تكن حكراً على فرنسا؛ إذ كشفت تقارير ألمانية مؤخراً عن احتلال القاهرة مركز الصدارة في قائمة المشترين للأسلحة من برلين عام 2021. ونشرت تقارير متعددة مؤخراً كيف أن مصر اشترت أسلحة العام الماضي فقط من ألمانيا بقيمة 4.8 مليار دولار، مثلت 45% من إجمالي مبيعات السلاح الألماني في 2021 (10.6 مليار دولار)، بحسب تقرير نشره المعهد العربي بواشنطن.

ولم تكن إيطاليا بعيدة عن تلك الصفقات الضخمة؛ إذ وقعت حكومة السيسي مع روما صفقات أسلحة متعددة خلال السنوات الماضية بلغت قيمتها أكثر من 10.2 مليار دولار، وشملت طائرات تايفون المقاتلة وطرادين بحريين وصواريخ وأجهزة مراقبة ورادار وغيرها.

أما الولايات المتحدة الأمريكية، فكان لافتاً أن إدارة جو بايدن، الذي وصف السيسي بأنه ديكتاتور ووعد بربط ملف حقوق الإنسان بالتعامل مع النظام المصري، لم تتوقف عن بيع الأسلحة لمصر. وتم الإعلان خلال العام الحالي فقط عن ثلاث صفقات ضخمة تبلغ قيمتها الإجمالية ما يقرب من 6 مليار دولار خلال أقل من 5 أشهر.

واشترت مصر في عهد السيسي أسلحة من إسبانيا واليونان وكوريا الجنوبية ودول أخرى، بخلاف روسيا التي تتصدر القائمة بطبيعة الحال.

وعلى الرغم من صعوبة الرصد الدقيق لحجم الأموال التي أنفقتها القاهرة على شراء السلاح خلال السنوات الثماني الماضية، إلا أنمجموع هذه الأرقام إضافة للصفقة الجديدة المعلنة يوم الجمعة الماضي تصل بالأرقام إلى 57 مليار دولار على أقل تقدير.

 

أهداف تلك الصفقات

من الطبيعي أن تثير تلك الأرقام الهائلة التي تنفقها الحكومة المصرية على شراء الأسلحة التساؤلات بشأن الجدوى منها وكذلك الأهداف الحقيقية. يقول السيسي دائما إنه يسعى لجعل مصر قوية "لأن القوي لا أحد يمكنه أن يعتدي على قوته"، على حد تعبير الرئيس.

لكن كثير من المراقبين والمحللين، وكثير من المواطنين المصريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يتساءلون عن فشل النظام المصري في عهد السيسي في الحفاظ على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، والتعنت الإثيوبي الواضح وتمكن أديس أبابا في نهاية المطاف من فرض الأمر الواقع على القاهرة في ملف سد النهضة.

كما لا تزال القوات المسلحة المصرية تواجه تهديدات إرهابية في شبه جزيرة سيناء، وتتعرض قوات مصرية لهجمات دموية على فترات متقطعة.

"يشتري السيسي السلاح ليحقق 3 أهداف أساسية؛ الأول شراء ولاء الجنرالات في القوات المسلحة، والثاني شراء الشرعية خارجياً وضمان الحد من الأصوات المنتقدة لانتهاكات حقوق الإنسان، والثالث العمولات التي يستفيد منها هو شخصياً بطبيعة الحال"، هكذا علق لواء متقاعد في الجيش المصري على صفقات السلاح وأسباب استمرارها والتوسع فيها رغم وصول الأزمة الاقتصادية في البلاد إلى مستوى مرعب مؤخراً.

وأضاف اللواء متقاعد، الذي طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، أن كثيراً من صفقات الأسلحة التي أبرمتها مصر خلال السنوات الماضية كان هدفها الرئيس "سياسياً" وليس عسكرياً، موضحا أن الرئيس السيسي في بداية حكمه كان يريد شراء "الشرعية" بأي ثمن، خصوصا أن أغلب الدول الغربية كانت تعتبره "انقلابياً"، وفقًا لـ "عربي بوست"

وهكذا جاءت صفقات السلاح مع فرنسا وإيطاليا وألمانيا أيضاً في ذلك الإطار، أما استمرار تلك الصفقات رغم أن مسألة "شرعية السيسي" قد تم تجاوزها، فيرجع بالأساس إلى ضرورة استمرار "العمولات" التي يحصل عليها السيسي نفسه وقادة الجيش المصري، بحسب اللواء متقاعد.

وفقاً للقانون المصري لا يوجد شيء يسمى "عمولات رسمية" في صفقات الأسلحة، لكن هذه الأمور سرية ومعروفة في الأوساط الاقتصادية وأسواق السلاح في العالم كله. وأثناء التحقيقات مع الرئيس الراحل مبارك تم الكشف أنه كان يحصل على نسبة تقدر بـ 5% عن كل صفقة سلاح، ونسبة قريبة من ذلك لوزير الدفاع والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين يقومون بالتعاقد مع شركات السلاح.

 

زيادة الفقر والفقراء

وفي مقابل عشرات مليارات الدولارات التي تم إنفاقها على السلاح خلال العقد السابق، فقد زاد حجم الفقر والفقراء في مصر خلال نفس الفترة ووصل إلى مستويات قياسية أيضًا.

فحسب العديد من التقارير الدولية فإن ما يقرب من ثلثي المواطنين (أي حوالي 60 مليون نسمة) يعيشون تحت خط الفقر. أما وفق التقارير الرسمية فإن حوالي ثلث السكان (أي ما يقرب من 30 مليون نسمة) يعيشون تحت خط الفقر والذي يعني عدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية للفرد كالأكل والشراب والسكن والصحة والتعليم، وفقًا لـ"الجزيرة.نت".

بل في بعض المحافظات خاصة في صعيد مصر وصلت نسبة الفقر إلى ما يقرب من 60% من السكان كما هو الحال في محافظتي أسيوط وسوهاج. كذلك تراجعت الطبقة الوسطى مقابل زيادة الطبقة الفقيرة وذلك بسبب التضخم وارتفاع الأسعار وفي نفس الوقت ثبات أو تراجع مستوى الدخول. ناهيك عن ارتفاع نسبة البطالة خاصة بين الشباب والفتيات إلى مستويات كبيرة في ظل حالة الركود الاقتصادي وضعف منظومة التعليم التي لا تواكب احتياجات سوق العمل.

الخلاصة هنا، هي أن مصر تشتري أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات، في الوقت الذي تعجز فيه الحكومة عن التدخل لحماية الفقراء ومحدودي الدخل من تبعات الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي فاقمها الهجوم الروسي على أوكرانيا، بل ولا يكف السيسي عن الحديث عن "الدعم الموجه لرغيف الخبز".