طرحت حكومة السيسي برئاسة مصطفى مدبولي، المنطقة المحيطة بأهرامات الجيزة والمتحف المصري الكبير، وحتى مطار سفنكس شمالاً، ومنطقة دهشور الأثرية جنوبًا، بكافة المساحة الشاسعة من أراضي مدينة "منف" الأثرية وما تحويه من 38 هرمًا و9 آلاف أثر ظاهر وآلاف أخرى غير مكتشفة تعود جميعها للتاريخ المصري القديم - للاستثمار أمام المستثمرين المصريين والأجانب.

 

"بشروط معلنة ومعروفة"

وفي تعليقه، قال الأثري الدكتور حسين دقيل: "بشكل عام لو أن الاستثمار يفيد مصر فيكون أمرًا جيدًا، وإن كنا نتمنى أن يكون المستثمرون من مصر، لكن لو كانوا أجانب فلابد أن يتم الأمر بشروط معلنة ومعروفة، وبدور لخبراء الآثار في أي اتفاق".

ووفقًا لـ"عربي21"، فقد أكد دقيل في حديثه على الأهمية الأثرية والتاريخية الكبيرة لمنطقة الأهرامات، مبينًا أنها "واحدة من ضمن 7 مواقع أثرية مصرية مسجلة ضمن مواقع التراث العالمي، تحت اسم موقع آثار مدينة منف أو مصر القديمة والمسجلة في منظمة اليونيسكو عام 1979".

ووفق دقيل، فإن "المنطقة تشمل أهرامات الجيزة، ودهشور، وسقارة، وميت رهينة، وأبوصير، والجيزة، وأبو رواش، وزاوية العريان، كمنطقة أثرية مسجلة كقطعة واحدة على اتساعها".

وأكد أن "منطقة الأهرامات وما حولها منطقة اكتشافات أثرية لا تنضب، وبها 38 هرمًا المعروفين في الجيزة وفي سقارة وأبوصير ودهشور، بجانب 9 آلاف أثر تشمل آثار ظاهرة أو مقابر تحت الأرض تعود لأصول مختلفة من الفرعوني إلى البطلمي أو الروماني بالمنطقة الممتدة من الأهرامات إلى دهشور".

 

"عبث بالإرث الحضاري"

وفي رؤيته قال الخبير في الشؤون السياسية والإستراتيجية الدكتور ممدوح المنير، إن "طرح منطقة الأهرامات للاستثمار العالمي هو فصل جديد من مسلسل العبث بالإرث الحضاري لمصر في عهد النظام العسكري بقيادة السيسي".

وأكد أن "الأهرامات، التي تعد من عجائب الدنيا السبع، أحد رموز الهوية المصرية وذاكرة حضارية ممتدة لآلاف السنين، وتحويل المنطقة التاريخية لمشروع استثماري مفتوح للمستثمرين الأجانب، في ظل سجل النظام الحافل بالإهمال والفساد، يثير مخاوف مشروعة من استباحة الآثار وتفريط آخر في مقدرات الشعب المصري".

ويعتقد المنير، أن "هذا ما يثير المخاوف من أن هذه المشروع قد يكون له آثار مستقبلية مدمرة على المنطقة حضاريًا وحتى كأمن قومي لعدة أسباب.

وذكر أنه "في عهد السيسي، شهدت مصر واحدة من أسوأ فترات النهب المنظم للآثار، وفقًا لتقارير دولية ومحلية، إذ تصاعدت عمليات تهريب الآثار بشكل غير مسبوق، فقد تم الكشف عن تورط مسئولين كبار في عمليات بيع وتهريب آلاف القطع الأثرية إلى إيطاليا عام 2020، والتي تضمنت قطعًا من حقب تاريخية مختلفة، وهذه قضية واحدة تم الكشف عنها فما بالكم بما لم يكشف؟".

ويرى أنه "في ظل هذه الأجواء، كيف يمكن أن نثق في إدارة النظام الحالي لمنطقة تاريخية بحجم الأهرامات أو منطقة دهشور؟، وكيف نضمن ألا تتحول هذه المناطق إلى بوابة جديدة لتهريب الكنوز المصرية؟".

ومضى يوضح أنه "إذا كان النظام قد عجز عن حماية آثار مصر التي خرجت من البلاد بطرق غير مشروعة، فما الضامن ألا تتكرر هذه المأساة في إطار مشاريع استثمارية مشبوهة؟".

 

"ليست مخاوف عبثية"

وتابع: "أيضا لا يمكن التغافل عن احتمالية منح هذه المناطق الاستثمارية لشركات أجنبية ذات صلات بالكيان الصهيوني، وهو ما يفتح الباب أمام محاولات الصهاينة لتزوير التاريخ وإثبات مزاعم واهية حول دور اليهود في بناء الأهرامات".

وأكد الباحث المصري، أن "هذه ليست مخاوف عبثية؛ فالكيان الصهيوني استغل في السابق ضعف بعض الأنظمة العربية لاختراق مجالات الثقافة والسياحة، ومنح شركاته موطئ قدم في مشاريع استثمارية كبرى".

ولذا خلص المنير للقول إن "السماح بحدوث ذلك في منطقة بحجم الأهرامات سيكون بمثابة طعنة في قلب التاريخ المصري، خصوصا أنهم يدعون أن لهم علاقة مكذوبة ببناء الأهرامات".

وأضاف: "تحت مظلة شركة أجنبية قد يتم التلاعب بآثار المنطقة لصالح الترويج لروايتهم، وما يفعلونه تحت المسجد الأقصى لإثبات فرضية مضللة حول وجود هيكلهم المزعوم أسفله لا تخف على أحد".

 

"الإرث مقابل المال: معادلة خاسرة"

وقال إن "الترويج لمشاريع استثمارية في الأهرامات بدعوى تنشيط السياحة ورفع الدخل القومي هو محاولة للتغطية على فشل اقتصادي ذريع"، مضيفًا: "صحيح أن قطاع السياحة يعاني، لكنه ليس بسبب ضعف الخدمات بل بسبب سياسات النظام القمعية التي جعلت مصر وجهة غير آمنة".

وأوضح أنه "في عام 2023، بلغت إيرادات السياحة نحو 13 مليار دولار، وهو رقم متواضع مقارنة بما يمكن تحقيقه إذا تمت إدارة هذا القطاع بشكل مهني وشفاف".

وتابع تساؤلاته: "هل مصر التي تبني عاصمة إدارية حديثة ولديها ساحل شمالي ومناطق سياحية متميزة كشرم الشيخ ودهب ونويبع وأماكن أخرى؛ عاجزة عن تطوير هذه المناطق بعيدًا عن الشركات الأجنبية؟".

وأكد أن "هذا تساؤل منطقي وموضوعي ويطرح علامة استفهام كبيرة عن الهدف الحقيقي من إقحام شركات أجنبية في مشروع حيوي كهذا، في حين لدينا خبرات هائلة في ذات المجال إن حسنت النوايا".

وأضاف: "قد يكون مثيرًا للسخرية والغضب أن نتذكر أن ما يريدون فعله في الأهرامات هو ما كانوا يتهمون به الرئيس الشهيد محمد مرسي، لتأليب الناس عليه، وها هم يفعلونه دون حمرة خجل أو لمحة من حياء".

وختم بالقول: "تاريخنا وحضارتنا ليستا للبيع؛ وهذه المعالم التي قاومت الزمن والغزاة، لا يجب أن تتحول إلى سلعة تُعرض في المزادات العالمية، وإذا فقد الشعب إرثه الحضاري، فإنه يفقد جزءًا من روحه وهويته".

 

"غموض وغياب للشفافية"

وفي رؤية اقتصادية، قال الباحث في الملف الاقتصادي حسن بربري، إن "مسألة تطوير هذه المنطقة مشروع قديم منذ العام 2009، في عهد الرئيس حسني مبارك، وكان التطوير قائمًا على فكرة الاستثمار في المناطق الأثرية من زاوية سياحية وزيادة الدخل السياحي".

وأضاف القيادي في حزب "التحالف الشعبي"، أنه "بعد ثورة يناير 2011، توقف المشروع، وتم إحياء فكرته عام 2015، وكانت هناك خطة موضوعة للتطوير بالشكل الذي نراه لكن تطورت خلال السنوات الماضية".

ويرى أن "التطوير في حد ذاته مفيد جدًا اقتصاديًا، لكن القضية في غياب شفافية المعلومات، ليس فقط في ملف تطوير المنطقة الأثرية ولكن على كافة المشروعات والصفقات والاستحواذات والطروحات الجارية طبقًا لوثيقة ملكية الدولة أو غيرها، حيث تغيب الشفافية والمعلومات".

وأكد أنه "وفي طرح عالمي في هذه المنطقة الأثرية بالذات مفروض أن يكون هناك إعلان عن تكلفة التطوير والعائد منه، وتقدم إعلانًا واضحًا ووصفًا تفصيليًا عن المشروع وتفاصيله وطرق تحصيله والاستثمارات فيه والعائد المتوقع، لكي تقطع الشكوك وتنهي أي تخوفات".

واستدرك: "لكن في ظل الوضع الذي نتحدث فيه منذ سنوات عن غياب الشفافية وصعوبة انتقال المعلومات فالحكومة تتعامل مع المشروعات والصفقات كأنها أسرار عسكرية لنفاجأ لاحقًا بالتزامات على الدولة أو أن المشروعات لم تف بالغرض منها".

ويعتقد بربري، أن "الخوف من وجود مستثمرين تابعين للكيان الصهيوني في منطقة الأهرامات الأثرية فكرة منطقية، خاصة في ظل وجود اتفاق سلام وصفقات وتعامل الدولة بشكل عادي".

وتساءل: "هل سيتم التعامل مع تلك المنطقة المهمة جدًا بمنحها كحق انتفاع أو عبر بيع مناطق محددة حول حرم المناطق الأثرية؟، وهل هناك شروط موضوعة أو امتيازات ممنوحة؟"، مؤكدا أن "كل هذه الأمور لابد من توضيحها، وتوضيح المخطط المحتمل للمنطقة نفسها، وهل ستشمل مناطق خدمية ومطاعم وفنادق مثلاً؟".

وألمح إلى أن "الجانب الخدمي مهم؛ ويقلل حجم المعاناة والمعوقات التي يتعرض لها السائح من القائمين على الخدمة من مواطنين أو مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر حول المنطقة الأثرية".

وخلص للقول: "في العموم هذا الطرح العالمي يأتي في إطار حاجة الدولة للأموال لحل أزماتها المالية وضمن تفكيرها في وسائل لدعم موازنتها العامة وللوفاء بالتزاماتها الخارجية".