ممدوح الولي

خبير اقتصادي ورئيس نقابة الصحفيين الأسبق

 

تسبب قرار محكمة الجنايات المصرية قبل أسبوع باستبعاد 716 شخصا من قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، وعدم صدور تفسير رسمي له، في تعدد التفسيرات للقرار من جانب شرائح المجتمع المصري، بين من قالوا إنه يمهد لمصالحة بين النظام المصري والإخوان المسلمين، وبين قائل بوجود ضغوط غربية على النظام المصري لتحسين صورته الخاصة بحقوق الإنسان، وهناك من ادعى أنه قرار قضائي محض بعد ثبوت توقف أنشطتهم غير المشروعة ضد الدولة ومؤسساتها كما قالت النيابة العامة.

لكن المشهد الحقوقي المصري لا يشي بشيء من التفسيرات السابقة، فرئيس هيئة الاستعلامات المنوط بها تحسين وجه النظام الحاكم داخليا وخارجيا، قال إنه لا توجد جماعة للإخوان حاليا حتى يمكن التصالح معها، وهو ما رافقه هجوم عدد من الإعلاميين في الفضائيات على القرار، ويعرف الجميع أن هؤلاء لا يتكلمون إلا وفقا لما يتم إرساله إليهم من مواد إعلامية من قبل الجهات الرسمية، كما رافق ذلك توجيه عدد من كُتاب المقالات الدورية في الصحف الحكومية، بتكثيف الهجوم على الإخوان وإلصاق كافة التهم بهم.

كذلك فإن الجهات الغربية مسرورة من النظام المصري لدوره في حصار غزة، وقمعه للمتظاهرين المتعاطفين معها، ومستعدة للتغاضي عن أية تجاوزات منه بملف حقوق الإنسان، كما أنها غير مستعدة للإفراج عن رموز تيار سياسي ساهم في صمود سكان غزة ويدعو للتمسك بخيار المقاومة، بدليل الإفراج عن المعونات الأمريكية لمصر والتي تم حجبها بمبرر أوضاع حقوق الإنسان مسبقا، والمنح والقروض التي أعلن الاتحاد الأوروبي عنها مؤخرا.

أما عن استقلال القضاء وإصداره قرارا باستبعاد هؤلاء من قوائم الإرهابيين، فأمر يحتاج الى براهين في ظل تماهي القضاء مع ممارسات السلطة تجاه خصومها، بعد عزل العديد من القضاة الذين رأى النظام أنهم ليسوا على وفاق معه.

ويبقى السبب المرجّح لدينا هو قرب موعد الاستعراض الدوري الشامل لملف حقوق الإنسان في الثامن والعشرين من يناير المقبل، حيث يقوم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بمراجعة شاملة لملف حقوق الإنسان في الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كل أربع سنوات ونصف.

 

موت مدني للإدراج بقوائم الإرهابيين

وكانت المراجعة الأولى لملف حقوق الإنسان في مصر قد تمت عام 2010، والمراجعة الثانية عام 2014، والمراجعة الثالثة في نوفمبر 2019، وها هي تستعد للمراجعة الرابعة المقررة في الأسبوع الأخير من الشهر القادم، والتي يتم التجهيز لها منذ عدة شهور من قبل جهات حكومية ومنظمات حقوقية متماهية مع النظام، وهي الجهات التي سيسافر أفرادها مع الوفد الرسمي الحكومي الذي سيعرض الملف في مقر الأمم المتحدة بجنيف، للقيام بترويج وجهة النظر الحكومية بين الوفود المشاركة.

ولهذا كان قرار رفع أسماء 716 شخصًا من قوائم الإرهابيين، وهي أحد أوجه الانتقادات التي تلقتها مصر، حيث يُعد الإدراج بمثابة موت مدني للشخص الذي يتم إدراج اسمه، فيتم تجميد أمواله وممتلكاته، وعزله من الوظائف العامة، ومنعه من السفر أو التنقل بحرية داخل وخارج البلاد، والخضوع للرقابة المشددة من قبل الجهات الأمنية، كما وصل الأمر الى عدم تعامل الجهات الحكومية معه مثل إدارات المرور والسجل المدني وغيرها، بحيث لا يستطيع تجديد ترخيص سيارته أو استخراج شهادة ميلاد لأحد أبنائه، أو استخراج جوار سفر بديل لجواز السفر الذي يتم سحبه منه بعد الإدراج.

ويجرى العمل في مجلس حقوق الإنسان في شكل إصدار توصيات للدولة التي يتم استعراض ملفها كي تقوم بالرد عليها، ولقد تلقت مصر في الاستعراض الأخير في عام 2019 نحو 372 توصية، في مختلف فروع محاور حقوق الإنسان الخمسة؛ من حقوق مدنية وحقوق سياسية وحقوق اقتصادية وحقوق اجتماعية وحقوق ثقافية.

ولهذا قامت مؤخرا ببعض الإجراءات التي ستستند إليها في ردودها على تلك التوصيات عند عرض ملفها، ومنها قانون جديد يخص لجوء الأجانب بها من خلال إنشاء لجنة حكومية لشؤن اللاجئين تتبع رئيس الوزراء، وذلك بعد الانتقادات التي وُجهت إليها بشأن معاملتها غير الجيدة مع اللاجئين السودانيين الفارين من الحرب الأهلية هناك وإجبار بعضهم للعودة للسودان، كذلك القيام بتغييرات في مجالس الهيئات الإعلامية الثلاث: المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، بزيادة نصيب العلمانيين وغيرهم فيها، بما يمكنها من الرد على بعض الملاحظات الخاصة بحرية الإعلام.

 

قانون جديد للإجراءات الجنائية

كما يُتوقع صدور بعض القرارات المتصلة بملف حقوق الإنسان خلال الفترة المتبقية على موعد الاستعراض الدوري لملف مصر، كالإفراج عن دفعة جديدة من المعتقلين، أو حذف دفعة أخرى من قائمة الإرهابيين، والسماح لنقابة الصحفيين بعقد المؤتمر السادس للصحفيين في الرابع عشر من الشهر الحالي، وربما قرارات بزيادات في الأجور والمعاشات لاستخدامه فيما يخص ارتفاع معدلات الفقر وانخفاض مستوى المعيشة، كما يجهز البرلمان لإصدار قانون جديد للإجراءات الجنائية بديلا عن القانون الصادر قبل 74 عامًا، يخفف من أوضاع الحبس الاحتياطي، الذي طالت مدته لأكثر من عامين وهي تعد الحد الأقصى القانوني، كما يتم عمل قضايا جديدة لهؤلاء غير المفرج عنهم لتبرير استمرار حبسهم.

ولهذا ذهب وزير الخارجية إلى البرلمان أوائل الشهر الماضي مستحثًا إصدار القانون، ليكون ضمن ملف مصر بالاستعراض الرابع لملف حقوق الإنسان، إلى جانب تعزيز موقف مصر التي ستترشح لعضوية مجلس حقوق الإنسان في تلك الدورة. وشارك وزير العدل في الذهاب للبرلمان لنفس الغرض إلى جانب وزير الشؤن النيابية والقانونية، مع الأخذ في الاعتبار ما حدث في أعقاب الاستعراض السابق في عام 2019 والذي رأس خلاله وزير شئون مجلس النواب عمر مروان وفد مصر لعرض الملف المصري، وتم منحه وزارة العدل في الشهر التالي مكافأة له على جهده في تبييض صفحة النظام الحاكم بملف حقوق الإنسان رغم ما فيه من مآخذ مؤلمة!

ويظل السؤال لدى الكثيرين عن إمكانية انتقاد مجلس حقوق الإنسان في جنيف الشهر المقبل لأوضاع حقوق الإنسان التي ازدادت تدهورا منذ الاستعراض السابق في 2019، ويجيب عن ذلك أكثر من عامل؛ أولها طبيعة عضوية مجلس حقوق الإنسان فهو مكون من غالبية الحكومات الأعضاء في الأمم المتحدة، وهي 123 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، ويتم اختيار أعضاء مجلس حقوق الإنسان من بينها بواقع 47 عضوا.

ولأن غالبية تلك الدول مليئة بانتهاكات حقوق الإنسان فإنها تتبادل المنافع مع الدول الأخرى، لتقوم كل منها بالإشادة بإنجازات الدولة الأخرى في بعض الفروع الهامشية، أو تكتفي ببعض المطالب مثل إتاحة المزيد من الإسكان الاجتماعي أو الخدمات للمعاقين، إلا أنه تظل هناك أصوات لدول غربية تركز على انتهاكات حقوق الإنسان في مجالات التعذيب والإخفاء القسري وطول فترات الحبس الاحتياطي، ومنع المواقع الإلكترونية والمراقبة الشرطية واعتقال المعارضين والتضييق على جمعيات حقوق الإنسان التي لا تتماهي مع النظام.

ورغم إصدار منظمة العفو الدولية تقريرًا شاملاً ومفصلاً عن الانتهاكات المصرية لحقوق الإنسان، مثلما فعلت في الاستعراض السابق والحالي، وإصدار عشر منظمات حقوقية مصرية مؤخرًا بيانًا يؤكد تراجع أوضاع حقوق الإنسان عما كانت عليه عام 2019، إلا أن الوفود الحكومية الحاضرة لمجلس حقوق الإنسان لن تلتفت لتقرير منظمة العفو الدولية أو تلك المنظمات الحقوقية المصرية، ولكنها ستعتمد على محتويات الملف المصري من ردود على التوصيات، رغم إدراكها أنها لا تعبر عن الواقع الحقيقي، كما ستستمع إلى المنظمات الحقوقية التي ستصاحب الوفد الرسمي لتبيض وجه النظام في ملف حقوق الإنسان، رغم معرفتها بأنها منظمات مُستأجرة ولا تعبر بالمرة عن الواقع الأليم لحقوق الإنسان الذي تعرف حقيقته سفارات بلادها بالقاهرة.