قبل ساعات من القرار التاريخي لمحكمة الجنايات الدولية باعتقال مجرمي الحرب، بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه المُقال يوآف غالانت، كان مجرمُ الحرب الجديد، وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، يعلن أنّ إسرائيل فرضت عقوبات اقتصادية على 24 كياناً مرتبطاً بحزب الله اللبناني، لتصنيفه منظمة إرهابية.

هذا الكيان اللقيط ليس فقط عنواناً صارخاً على اختلال ميزان القيم والعدل في العالم، بل هو التجسيد الحرفي لمعنى الخطيئة الحضارية التي ارتكبها جبابرة العالم بحقِّ البشرية كلّها، وعلى حساب شعبٍ ووطنٍ، وعلى الرغم من ذلك، يسلك هذا الكيان وكأنه يعتبر نفسه هو القانون، وهو المعيار الحاكم لحركة العالم، وفي سبيل ذلك، لا مانع لديه من تدمير الكون كلّه حتى يبقى.

الصمت أمام هذا الجنون الصهيوني المُشتعل، والركض خلفه بعروض وصفقاتٍ لكي يقبل بالوجود العربي على أرض الوطن فلسطين، وتسوّل الجوار الهادئ معه من الدول العربية المُحيطة به، زادا من غطرسةِ هذا الكيان وجعلاه يمنح نفسه الحقّ في التحكّم في الخرائط السياسية والاجتماعية داخل الدول العربية، وأمامنا الحالة اللبنانية نموذج مدوٍّ على كارثيّة التعاطي بإيجابيةٍ مع الابتزاز الصهيوني القائم على فكرة الإخضاع العسكري للدول والشعوب، إلى الحدِّ الذي بات معه لبنان الرسمي يتفاوض على منح الاحتلال الحقّ في التدخل العسكري، جوًاً وبرًاً في لبنان للقضاء على أيّ فصيل وطني يمثل حالة مقاومة للأطماع الصهيونية في فلسطين وفي المنطقة كلّها.

تتحدّث الميديا الإسرائيلية عن هذا السيناريو الانتحاري باعتباره قاب قوسين أو أدنى من التحقّق.
وبحسب القناة 12 الإسرائيلية في تناولها نتائج مباحثات المبعوث الأميركي، عاموس هوكشتاين، في لبنان، وهو بالمناسبة عسكري سابق في جيش الاحتلال، وينتمي إليه بالجنسية والمولد، فقد تحدّثت عمّا اعتبرته "تحقيق إنجاز كبير بتشكيل اللجنة الدولية التي ستُشرف على تنفيذ الاتفاق، وستضم ممثلين عن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى جانب الدول العربية المعتدلة، الأردن، ومصر، والإمارات.
اللجنة ستضمن الإشراف الموضوعي والفعال على تنفيذ الاتفاق، والحفاظ على مصالح جميع الأطراف المعنية".

وفق الاتفاق، وكما ذكرت القناة 13 العبرية، سيكون أمام إسرائيل 60 يوماً للانسحاب من لبنان، كما سيُرفق بورقة ضماناتٍ تضمن لإسرائيل حرية "العمل" في لبنان.
وأشارت إلى أنّ نقاط الخلاف الأساسية تتعلّق بحرّية "العمل" الإسرائيلي والمشاركة الأميركية في التنفيذ.

لا تفسير لعبارة "حرّية العمل" داخل لبنان سوى أنّ المطلوب رخصة رسمية للاحتلال يمنحها له البلد الواقع تحت الاحتلال، وتعطيه الحقّ في فكّ البيئة السياسية اللبنانية وتركيبها كما يشاء، الأمر الذي يجعل لبنان رسميًاً في وضعيةٍ لا تختلف كثيراً عن سلطة محمود عباس في رام الله، التي تحيا على مبدأ التنسيق الأمني مع الاحتلال، ما يجعل وظيفتها الأساسية أن تكون شرطيًاً للاحتلال يبلّغ عن المقاومين ويتعقبهم ويعاقبهم أيضاً، مع فارق وحيد، أنّ هناك أطرافًا عربية ممّن يسميها الاحتلال "الدول المعتدلة"، وهو التوصيف الذي وضعه بنيامين نتنياهو شخصيًاً قبل سنوات للدول العربية التي يريدها ويفضّلها ويعتبرها شريكته فيما يسميه "محور الاعتدال السني الإسرائيلي".

يبدو شيئاً من الخيال أن ترضخ الدولة اللبنانية لهذه المطالب الصهيونية، وإلا تكون قد قرّرت الانتحار وتسليم استقلالها السياسي للعدو.
ومن ناحية أخرى، دفع المجتمع اللبناني مرّة أخرى إلى أتون اقتتال أهلي، ناهيك عن الإعلان رسميًاً أنّ لبنان العربي المقاوم غير معني بالقضية الفلسطينية، كون المستهدف من مهمة هوكشتاين بالأساس هو الإجهاز على مبدأ وحدة الساحات الذي كان محرّك حزب الله في إسناد الشعب الفلسطيني والدفاع عنه في وقتٍ تواطأ النظام الرسمي العربي كلّه ضدّ وجود هذا الشعب.

الثابت أنّ حزب الله، اللبناني، قدّم للقضية الفلسطينية خلال العام الأخير فقط ما عجزت، أو بالأحرى تقاعست الحكومات والجيوش النظامية العربية عنه خلال 76 عاماً هي عمر الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وهو ما يستحق أن يفخر به كلّ لبنان، رسميًّا وشعبيًّا، لا أن يتفاوض على التنكّر له.