أيّهما أكثر خطورة على رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو: جامعة الدول العربية أم المعارضة داخل الكنيست الإسرائيلي؟
وبصيغةٍ أخرى: أيّهما أقرب له: الكنيست أم مؤسّسة القمة العربية؟

كانت الإجابة حاضرة في جلسة الكنيست التي بدا فيها رئيس وزراء الاحتلال تحت حصار المعارضة وعائلات الأسرى داخل الكنيست، وعلى لسان نتنياهو شخصياً، وهو يعلن أنّ الشارع معه والأميركان باعتبارهم رعاة الوساطة معه في الموقف من حركة حماس، لكن المكان الوحيد الذي تدور فيه حملة كاذبة ضدّ سياسته هو هنا داخل الكيان، الكنيست وإعلام التسريبات.

بعيداً عن أنّ الجلسة كانت استمراراً لهستيريا نتنياهو المتأجّجة منذ بدء العدوان على قطاع غزّة في العام الماضي، والتي يحاول فيها إظهار أنّه "ملك إسرائيل" وزعيمها القوي الملهم، بالإضافة إلى الحرص على تقديم نفسه المسيطر على الشرق الأوسط كلّه، إلا أنّ سردية نتنياهو ومقاربته للصراع توضّح إلى أيِّ حدٍّ هو واثق من أنّ أحداً داخل النظام الرسمي العربي يعارضه أو يمثل عائقاً أمام خططه ومشروعاته، ليخلٌص إلى أن يخوض الحرب نيابةً عن العالم، بما فيه العالم العربي، ضدّ من أسماه العدو الواحد، فيقول "هذه الحرب ضد طرف واحد هو إيران ومحورها، والتي رفعت شعاراً هو تدميرنا، وبخصوص المحور عايشنا هجمات حزب الله ثم انضم الحوثيون والمليشيات في سورية والعراق، وكان القرار الأول الذي نظرنا فيه هو كيف نفصل وحدة الساحات، وذلك عن طريق أولاً التعامل مع حماس فقط، لا أن نعمل على جبهتين ولو حصل ذلك ما كنا ننجز لا هنا ولا هناك".

اشتكى نتنياهو، في كلامه، من المعارضة في الكنيست، ومن إيران ومن حركة حماس ومن حزب الله، والحوثيين والمقاومة الإسلامية بالعراق، ثم من الولايات المتحدة، على الرغم من كونها شريكاً كاملاً في العدوان، وداعماً من دون حدّ أقصى لآلة الحرب الإجرامية الإسرائيلية، فيما بقي الطرف الوحيد تقريباً الذي لم يذكره نتنياهو بكلمة واحدة سلبية أو يشكو منه هو النظام الرسمي العربي، الذي عقد قمّتين، الأولى في الشهر الثاني من بداية العدوان والأخرى في الشهر الثالث عشر منه، تحت عنوان "وقف العدوان على غزّة".
ومع ذلك، لم يصدر تنديد إسرائيلي واحد، على لسان نتنياهو أو غيره، بمخرجات  القمّتين ومقرّراتهما، وكأنّه لا أحد هناك يراه رئيس حكومة الاحتلال أو يعتدّ به أو يخشى جانبه.

في شكواه من الولايات المتحدة، وهي لعبة درامية مثيرة في سياق مسرحيته الاستعراضية أمام الكنيست، استرسل نتنياهو في سرديته "وضعنا نصب أعيننا أهدافاً ثلاثة، الأول القضاء على القدرات العسكرية والإدارية لحماس، والثاني إيجاد الظروف التي تتيح إعادة المختطفين، والثالث ضمان ألا تشكل غزّة أي تهديد ضد إسرائيل بعد اليوم.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، دخلنا غزّة برّياً، وعلي أن أقول لكم إن الولايات المتحدة تحفّظت على دخولنا مدينة غزّة ومستشفى الشفاء ودخولنا خان يونس، ولكنها عارضت معارضة شرسة دخولنا رفح، ليس فقط أنهم عارضوا ذلك، بل قال الرئيس بايدن لي شخصيّاً إذا دخلتم سوف تكونون وحدكم، بل قال أكثر من ذلك إنه سيوقف إرسال شحنات السلاح النوعية إلينا.
وبعد أيام ظهر وزير الخارجية بلينكن وكرر الكلام، وقلت له في منتدى واسع بالعبرية والانجليزية: إذا كنا مضطرين فسوف نقاتل بأظافرنا"، ثم يفتح قوسًا ويضيف (أنتم ادّعيتم أن هذا رئيس حكومة لا يملك الشجاعة إذن اسمعوا، لا تصفّقوا الآن، في النهاية صفّقوا).

وتابع "وفي ظل هذه الأمور والمصاعب من الولايات المتحدة ساعدتنا كثيراً في بداية الحرب، فالرئيس بايدن وصل إلى هنا وساعدونا بشحنات السلاح في البداية، ولكن حين وقفنا ثابتين على مثل هذا الأمر، فبطبيعة الحال طرح سؤال: هل علينا أن نواصل في ظل هذه المستجدّات الصعبة؟ قال بعضهم إننا نعتمد بالكامل على الولايات المتحدة، وإننا لا نملك الخيار، وعلينا ألا ندخل رفح. قال بعضهم إن علينا وقف الحرب، وبإمكاننا أن نعود إليها متى شئنا، ووقتها رأيتُ أننا إذا وافقنا على هذه الشروط سوف نفقد استقلاليتنا كدولة، ولن نتمكّن من فعل أي شيء، وكل خطوة نسعى إلى فعلها يهدّدوننا بحظر سلاح، وهذا غير معقول ولا مقبول. وعلينا الحفاظ على استقلالية إسرائيل، وقد حسمنا الأمر ودخلنا، واحتلينا رفح، لا بل احتلينا محور فيلادلفي ومعبر رفح، والمهمّة لم تكتمل بعد".

يسمّي نتنياهو ما فعله في محور صلاح الدين (فيلادلفي) وهو المحور الخاضع للسيادة المصرية احتلالاً، وكذلك معبر رفح (المصري الفلسطيني).

ينطق كلمة "احتلال" بمنتهى الاطمئنان والثقة بأنّ أحدًا لن يجرؤ على الوقوف أمام عدوانه، أو تشكيل أدنى خطر أو تهديد له شخصيّاً، كأنّه ليست ثمّة جانب مصري يمكن أن يغضب ويترجم غضبه إلى إجراءات عملية تزيل العدوان، أو تردع الصهيوني عن التفكير في تكراره.

ولم لا يشعر بالأمان والثقة، وهو يرى عرباً يشاركونه الرغبة في إنهاء زمن المقاومة، وأقصى ما يمكن أن يصدُر عنهم هو مناشدات بالاكتفاء بهذا القدر من مذابح الإبادة الجماعية، والقبول بعروض السلام التي يحملها أميركيون صهاينة أكثر من نتنياهو نفسه؟