أكد "مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية" القريب من نظام السيسي في ورقة بحثية، للدكتورة نجلاء مرعي، أن "نجاح قُوى الهيمنة المضادة في التوصل لنظام بديل لمبادرة حوض النيل، خاصة بعد موافقة برلمان جنوب السودان في يوليو 2024 على التصديق على اتفاقية التعاون الإطاري لدول حوض النيل “عنتيبي”، وبالرغم من خطورة تلك الخُطوة -لأنها تستهدف التأثير على مصالح مصر المائية، وإثبات فرض إثيوبيا هيمنتها في حوض النيل- فإنه من الصعوبة بمكان التنبؤ بمستقبل توازُن القُوى في دول حوض النيل، خاصة في ظل زيادة الضغط والطلب على الموارد المائية، وهو ما يجعل هناك توقعات باحتمال اندلاع حروب المياه والصراع حول هذا المورد الطبيعي ذي المصداقية في التفاعُلات المستقبلية لدول حوض النيل".
المشهد يتعقد
وكان هذا الرأي هو السيناريو الثالث الذي رجحته الورقة التي كانت بعنوان "أزمة سدّ النهضة الإثيوبي وسط توتُّرات القرن الإفريقي" في طرح سيناريوهات حلّ الأزمة.
مشيرة إلى أن المشهد يتعقد مع تمسُّك إثيوبيا بمقولات السيادة الإقليمية ومُضِيّها في استكمال مشروع السدّ، في مقابل سيولة عالية من الأحداث والتوتُّرات الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة، والسيناريوهات المحتملة لحلّ أزمة سدّ النهضة ترتبط بمفاهيم الهيمنة والهيمنة المضادّة في حوض النيل.
أبرز سيناريوهين آخرين
أما عن السيناريو الأول فهو: تعزيز الهيمنة المصرية، بخلق تحالُفات قوية مع دول نهرية أخرى مثل السودان وجنوب السودان.
ورغم أن هذا السيناريو لا يعني بالضرورة استمرار حصول مصر على حصتها كاملة من مياه النيل كما هو متفَق عليه منذ عام 1959 إلا أنه يمكِّنها من الاحتفاظ نسبياً بقدر كبير من الهيمنة، والحصول على حلّ توافُقيّ بشأن حصتها من المياه.
ورأت أن هذا السيناريو بالتوصُّل إلى اتفاق لا يعني انتهاء التنافُس الإستراتيجي بين كل من مصر وإثيوبيا في منطقة القرن الإفريقي وحوض النيل.
الهيمنة المضادة
أما السيناريو الثاني: فهو ظهور الهيمنة المضادّة لكن مع وجود مراكز متعددة للهيمنة.
حيث قامت "الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في إفريقيا" بدور مهم في نقل الخبرات وتقديم الدعم الفني في مجالات الزراعة والطاقة والسدود، إلى جانب إيفاد الخبراء والتعاون الأمني والاقتصادي مع دول إفريقيا وحوض النيل 26، وكذلك سعت مصر من خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي للتعاون مع الصين في حل مشكلة الطاقة والكهرباء منذ إبريل 2019.
ومع ذلك فإن هناك حاجة لوجود قوى خارجية قادرة على التوسط لحل الأزمة، حيث إن الصين التي تشارك في تمويل السد تبدو غير راغبة في التدخل في المواقف الخلافية عالية المخاطر.
الدول النافذة الخليجية
وفي إشارة إلى تدخلات الإمارات في الملف قالت "من منطلق النظر إلى حوض النيل باعتباره نظاماً إقليمياً وظيفياً يشمل نمطاً منتظماً من التفاعُلات المختلفة بين وحداته السياسية المستقلة التي يجمعها إقليم جغرافي واحد، فإنه يمكن الاعتقاد أن الدول الخليجية النافذة داخل منظومة دول حوض النيل طرف ثالث له تأثيراته في نمط التفاعُلات، سواء كانت صراعية أم تعاونية داخل النظام الإقليمي الوظيفي النيلي".
تجاوز الجوانب الفنية
وقالت إن "أزمة سدّ النهضة تتجاوز الجوانب الفنية، فهي تتعلق بالسياسة والأيديولوجيا ومسألة التنافس الإقليمي، لا سيما بين مصر وإثيوبيا، فضلاً عن ديناميات السياسات الداخلية، التي تتفاعل بشكل مَرِن وسريع مع التوازُنات الإقليمية الجديدة في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.
ولفتت إلى أن منطقة البحر الأحمر في إفريقيا متصلةً مع القرن الإفريقي تحتاج إلى توفر خطة تنموية شاملة، تقتضي إدارة مشتركة للموارد بما في ذلك المائية، لتحقيق الأهداف التنموية المتكاملة لمختلف دولها، وهو ما يتطلب امتلاك رؤية جديدة لمعالجة درجات التشابك بين كثير من القضايا المطروحة، لا سيما تلك المتعلقة بقضايا التنمية والفقر والسلم والأمن.
السلوك العدائي
الورقة قالت إن مصر تعتقد أن إثيوبيا تذهب في سلوكها العدائي إلى زيادة الاضطراب في محيطها الإقليمي، وفي أمن القرن الإفريقي والبحر الأحمر، خاصة بعد توقيعها مطلع يناير 2024 اتفاقاً مع جمهورية "أرض الصومال" (غير المعترَف بها دولياً)، تحصل بمقتضاه إثيوبيا على مرفأ على البحر الأحمر يطل على خليج عدن.
في المقابل وقَّعت مصر بروتوكولاً عسكرياً منتصف أغسطس 2024 مع الصومال لتزويدها بمعدات عسكرية، وتهدف القاهرة بذلك لدفع أديس أبابا إلى طاولة التفاوض؛ لكن وفق موازين قوة جديدة.
سياق الحرب والصراع
ويبدو أن الورقة ضمن هذا السياق قالت: "على صعيد الدفاع عن مصالحها ومهددات أمنها القومي في منطقة القرن الإفريقي سعت القاهرة لإبرام اتفاقيات أمنية وسياسية، منها تدشين خط طيران مباشر بين مصر والصومال وجيبوتي في يوليو 2024، ما يسهم في رفع مستوى التبادل التجاري وتحقيق قدر أعلى من الترابط بين المستثمرين والقطاعات الاقتصادية في الدول الثلاث، وكذلك زيارة رئيس المخابرات ووزير الخارجية المصرييْنِ للعاصمة أسمرة منتصف سبتمبر 2024، ونقاش رئيس إريتريا ووزير خارجيته في قضايا تتعلق بتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، ومتابعة القضايا الأمنية والسياسية في البحر الأحمر".
وأضافت الورقة أن مصر "أرسلت معدات عسكرية للصومال بموجب البروتوكول العسكري الموقَّع في 14 أغسطس 2024، مع التخطيط لنشر 5 آلاف جندي مصري هناك، بالإضافة إلى 5 آلاف جندي آخرين من المقرَّر مشاركتهم في يناير 2025 في سياق أوسع تحت مظلة قوات حفظ السلام في الصومال التابعة للاتحاد الإفريقي AMISOM.