في إطار زياراته المتكررة لمصر، زار رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار، القاهرة مجددًا الأحد الماضي، حيث التقى المدير الجديد لجهاز المخابرات العامة المصرية، اللواء حسن رشاد. وعلى الرغم من تسليط وسائل الإعلام الإسرائيلية الضوء على أن هذه الزيارة جاءت لمناقشة صفقة تبادل الرهائن مع حركة حماس، إلا أن الحقائق على الأرض تشير إلى أن المحاولات الإسرائيلية لتحقيق تقدم لم تلقَ سوى الفشل في مواجهة صلابة المقاومة. الزيارة الأخيرة تأتي بعد أيام فقط من إعلان الاحتلال مقتل يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في اشتباك مع قوات الاحتلال جنوب قطاع غزة. ومع أن إسرائيل قد حاولت تقديم هذا الحدث كـ "ضربة حاسمة" لحماس، إلا أن الحركة لا تزال صامدة على كافة الأصعدة، وتُظهر قدرتها على المناورة وفرض شروطها في أي مفاوضات قادمة، بما في ذلك ملف تبادل الأسرى. الزيارات المتكررة للشاباك: هل تعني عجز إسرائيل عن تحقيق أهدافها؟ رغم المحاولات المتكررة لإسرائيل من خلال وساطات مصرية للضغط على المقاومة، إلا أن الحقيقة الثابتة أن المقاومة الفلسطينية لم ولن تقدم أي تنازل فيما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى. فإسرائيل، التي تعاني من أزمة سياسية وعسكرية متفاقمة، تحاول عبر زيارات رئيس الشاباك إلى القاهرة، تصوير أن الأوضاع أصبحت تحت السيطرة بعد مقتل السنوار، وأن الساحة مهيأة لإتمام صفقة سريعة تخدم أهدافها. لكن الواقع يثبت عكس ذلك. فحركة حماس، رغم اغتيال عدد من قادتها، لا تزال تقود المعركة بصلابة وتتمسك بشروطها الثابتة لتحرير الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. إن المقاومة، التي تُدير معركة شعب بأكمله، لن تسمح بإتمام أي صفقة دون أن تحقق أهدافها التي تراعي حقوق الأسرى الفلسطينيين، بغض النظر عن كل الضغوطات الإسرائيلية أو الدولية. مصر: هل تكتفي بدور الوسيط أم تتورط في أجندة إسرائيل؟ تتزامن هذه الزيارة مع فترة دقيقة تمر بها القيادة المصرية، في ظل تغييرات في جهاز المخابرات وتحديات داخلية كبيرة. ومع تولي اللواء حسن رشاد منصبه الجديد، يبدو أن هناك محاولات إسرائيلية لاستغلال هذا التغيير لتحقيق مكاسب سريعة، ولكن دون جدوى حتى الآن. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل سيتحول دور مصر من وسيط إلى أداة لتحقيق الأجندة الإسرائيلية، أم ستظل مصر تلعب دور الوسيط النزيه؟ الرئيس عبد الفتاح السيسي يسعى لتقديم نفسه كصاحب دور حيوي في تهدئة الأوضاع في غزة، إلا أن سياساته وتعاونه مع إسرائيل لم تؤتِ ثمارها في إنهاء الحصار أو تحقيق العدالة للفلسطينيين. هذا التعاون المتزايد بين النظام المصري وإسرائيل في الملفات الأمنية يخدم في المقام الأول مصالح الاحتلال، بينما تتواصل معاناة الشعب الفلسطيني، خاصة في ظل استمرار الحصار والاعتداءات المتكررة على غزة. مقتل السنوار: ورقة إعلامية إسرائيلية لتبرير الفشل إسرائيل سارعت إلى إعلان مقتل يحيى السنوار كـ "انتصار" على المقاومة، في محاولة لرفع الروح المعنوية للجيش الإسرائيلي الذي يعاني من إخفاقات متتالية في مواجهة حماس. لكن مقتل قائد بارز مثل السنوار لم يغير من واقع المعادلة على الأرض. فقد أثبتت حماس والمقاومة الفلسطينية مرارًا أنها ليست رهينة لشخص أو قائد بعينه، وأنها مستعدة لمواصلة النضال مهما كانت التضحيات. الاغتيالات ليست سوى جزء من استراتيجية إسرائيل لزعزعة قوة المقاومة، لكنها لم تؤدِ إلى تراجع في قدرات حماس العسكرية أو السياسية. فالحركة لا تزال تسيطر على زمام الأمور في غزة، وتواصل فرض شروطها في أي مفاوضات تتعلق بتبادل الأسرى. وهذه الصلابة تشكل عائقًا كبيرًا أمام أي محاولة إسرائيلية لإتمام صفقة على طريقتها. إسرائيل والسيسي: تواطؤ مكشوف في ملفات الأسرى الزيارات المتكررة لرئيس الشاباك الإسرائيلي للقاهرة تؤكد أن هناك محاولات حثيثة لإسرائيل لإيجاد مخرج من الورطة التي وضعتها فيها المقاومة الفلسطينية. ورغم الادعاءات بأن هذه الزيارات تهدف إلى "تحقيق الاستقرار" و"إتمام صفقات"، إلا أن ما يحدث على الأرض هو استمرار للعدوان الإسرائيلي ومحاولات فاشلة لتقويض المقاومة. السيسي ونظامه يبدو أنهما يلعبان دورًا مزدوجًا في هذه المفاوضات، حيث يحاول النظام المصري إظهار نفسه كوسيط، بينما يدفع في نفس الوقت باتجاه تسوية تتيح لإسرائيل الحفاظ على ماء وجهها. اللقاءات المتكررة بين الجانبين تشير إلى أن إسرائيل تعول على الوساطة المصرية في الوصول إلى صفقة أسرى تخدم مصالحها، لكن المقاومة لم تقدم حتى الآن أي تنازلات. بل على العكس، تظهر حركة حماس صلابة أكبر، حيث لم توافق على أي صفقة إلا إذا كانت تحقق مطالبها، وفي مقدمتها إطلاق سراح أسرى فلسطينيين دون قيد أو شرط. المقاومة تفرض شروطها ومصر في موقف محرج رغم تكرار زيارات رئيس الشاباك الإسرائيلي إلى مصر، ومحاولات السيسي تحقيق "إنجاز" في ملف تبادل الأسرى، تبقى المقاومة الفلسطينية هي صاحبة القرار فيما يخص شروط أي صفقة. إن المقاومة لم ولن تقدم أي تنازل أمام الضغوط الإسرائيلية أو المصرية، وهذا ما يجعل الصفقة بعيدة المنال في الوقت الحالي. يبقى النظام المصري في موقف محرج، بين محاولته الحفاظ على دوره كوسيط وبين استرضاء إسرائيل. ولكن طالما أن المقاومة مستمرة في نضالها، فإن أي صفقة لن تتم إلا وفقًا لشروطها، دون أي خضوع أو استسلام.

