تواجه مصر تراجعًا ملحوظًا في إنتاج الغاز الطبيعي، وسط ضغوط اقتصادية متزايدة وانعكاساتها السلبية على القطاع. في ظل هذه الظروف، تسعى حكومة الانقلاب جاهدة للعودة إلى تصدير الغاز الطبيعي، محاولةً إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

إعلان وزير البترول والثروة المعدنية، كريم بدو، عن بدء أعمال حفر جديدة في حقل ظهر، يمثل خطوة في بحر من التحديات المتفاقمة التي تهدد البلاد بمواجهة عواقب وخيمة ما لم تُحل الأزمات المحيطة بهذا الحقل الضخم. يبقى السؤال مطروحًا: هل ستتمكن هذه الجهود من إعادة الحياة إلى الحقل الذي كان يومًا رمز الإنجاز المصري في مجال الطاقة، أم أن الكارثة الاقتصادية ستتفاقم؟

حلم العودة للتصدير

مع طموحات خجولة وتطلعات ممزوجة بالحذر، أطلق وزير البترول تصريحاته بأن حقل ظهر سيشهد حفر آبار جديدة من خلال شركة إيني الإيطالية، معلنًا عن خطط تنموية لزيادة احتياطيات الغاز. في مسعى يائس لاستغلال ما تبقى من الفرص لرفع الإنتاج، يتساءل الكثيرون: هل يكفي الحفر وحده لإنقاذ البلاد من أزمتها؟

الحقل الذي يعد رمزًا للأهمية الاستراتيجية في مصر يعاني اليوم من أزمة تتطلب التفكير خارج الصندوق. فالأرقام وحدها لا تكفي، والإجراءات التقليدية قد لا تنجح في إنقاذ الحقل من مصير قاتم.

شركاء الحقل: هل يملكون الحل؟

شركة إيني ليست اللاعب الوحيد في هذا المشهد، حيث تشارك شركات كبرى مثل بي.بي البريطانية، وروس نفط الروسية، ومبادلة للطاقة الإماراتية، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) في إدارة حقل ظهر. لكن التنسيق بين هؤلاء الشركاء قد لا يكون كافيًا لحل مشكلة تراجع الإنتاج المتسارع.

الأمر لم يعد متعلقًا فقط بتكنولوجيا الحفر أو القدرات الاستثمارية، بل يتعدى ذلك إلى مشكلات سياسية واقتصادية قد تؤدي إلى انسحاب بعض الشركاء أو تقليص استثماراتهم إذا لم تُحل جذور الأزمة.

تكنولوجيا حديثة في مواجهة الواقع المتأزم

مدير شركة إيني في مصر، فرانشيسكو جاسباري، أعلن أن الشركة بصدد بدء حملة لحفر آبار جديدة بتكنولوجيا حديثة في المياه العميقة. ولكن هل هذه التكنولوجيا وحدها كفيلة بتعويض الانخفاض الكبير في الإنتاج؟

تُقدّر استثمارات الحقل حاليًا بحوالي 12 مليار دولار، مع توقعات بوصولها إلى 15 مليار خلال السنوات الثلاث المقبلة. لكن يبقى السؤال: ماذا عن النتائج، وما هي الضمانات التي تجعلنا نصدق أن هذه الأموال ستؤدي فعلاً إلى زيادة الإنتاج، خاصةً في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية المحيطة بهذا الملف؟

الحكومة أعلنت أن البئر رقم 20 في الحقل سيتم حفره باستثمارات تصل إلى 70 مليون دولار، مع توقعات بزيادة إنتاج الحقل إلى 2.3 مليار قدم مكعبة يوميًا. ورغم أن هذه الأرقام تبدو مشجعة على الورق، إلا أنها لا تعكس الواقع الكارثي للإنتاج الذي لا يزال يشهد تراجعًا غير مسبوق.

الأسباب الكامنة خلف الانهيار

في الشهر الماضي، قال رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي إن الحكومة تستهدف إعادة إنتاج حقل ظهر إلى مستوياته السابقة بحلول الصيف المقبل، لكنه لم يقدم خطة واضحة حول كيفية تحقيق ذلك.

تتداول الأسباب المتعلقة بالتراجع، وأهمها تأخر الحكومة في سداد مستحقات الشركات الأجنبية التي تستثمر في هذا القطاع. ولكن الأمر يتجاوز المديونيات إلى مشكلات فنية وهندسية ناجمة عن الضغط غير المسبوق على الحقل لزيادة الإنتاج بشكل سريع.

هل ستعود مصر إلى الاستيراد؟

المؤشرات الحالية تؤكد أن مصر قد تضطر للعودة إلى استيراد الغاز مجددًا، بعدما كانت قد توقفت عن ذلك بفضل اكتشافات حقل ظهر. في حال حدوث ذلك، سيتحمل الاقتصاد المصري تبعات قاسية، في وقت يعاني فيه من مشكلات تتعلق بالعملة المحلية والتضخم المستمر.

استيراد الغاز مرة أخرى يعني أن مصر ستفقد ميزة استراتيجية كدولة مُصدرة، مما سيؤثر بشكل مباشر على قدرتها في المنافسة على الساحة الإقليمية والدولية.

ما بين الآمال والتحديات

تواجه الحكومة وشركاؤها في حقل ظهر معركة شاقة. ورغم تفاؤل البعض، قد لا تكون الخطة الحالية كافية لحل المشاكل العميقة التي تهدد إنتاج الحقل. التحدي الأكبر يكمن في كيفية التعامل مع الضغوط الاقتصادية والسياسية، إلى جانب إعادة الثقة إلى المستثمرين الأجانب.

مستقبل حقل ظهر ليس مرتبطًا فقط بحفر آبار جديدة أو استخدام تكنولوجيا حديثة، بل يحتاج إلى استراتيجيات شاملة تضمن استدامة الإنتاج على المدى البعيد.

ما يحدث الآن في حقل ظهر هو جرس إنذار يدق باب الحكومة والمستثمرين على حد سواء، وإذا لم يتم التعامل معه بحزم وشفافية، فإن الكارثة قد تكون أقرب مما نتوقع.