تتجه مصر نحو مواجهة أحد أصعب تحدياتها الاقتصادية في السنوات الأخيرة، حيث تقترب مواعيد استحقاق ديون خارجية ضخمة تهدد استقرار الاقتصاد المحلي. وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، يجب على البلاد سداد نحو 39 مليار دولار من الالتزامات الخارجية خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة حتى يوليو 2025، ما يعكس حجم الضغوط المتزايدة على الحكومة. وفي مواجهة هذا العبء الهائل، تسعى حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى بيع الأصول العامة وتسريع عمليات الخصخصة كحلول مؤقتة لتجنب خطر التخلف عن السداد. ديون تتراكم والتزامات تقترب تشمل الالتزامات المالية لمصر سداد 1.7 مليار دولار لصندوق النقد الدولي خلال شهري نوفمبر وديسمبر من العام الجاري، بالإضافة إلى 3 مليارات دولار أخرى في النصف الأول من العام المقبل. وتتضمن الالتزامات أيضاً سندات دولية بقيمة 1.3 مليار دولار تستحق في نوفمبر المقبل، وسندات باليورو تبلغ قيمتها 750 مليون يورو تُستحق في أبريل، فضلاً عن سندات بقيمة 1.5 مليار دولار في يونيو. هذا الكم الهائل من الالتزامات يجعل الحكومة المصرية أمام اختبار صعب، حيث تحتاج إلى توفير السيولة اللازمة في ظل أزمة اقتصادية ممتدة. وبالنظر إلى التراجع الملحوظ في الاحتياطيات النقدية والضغوط التضخمية الحادة، تعمد الحكومة إلى بيع أصول مملوكة للدولة كخيار اضطراري لتأمين النقد الأجنبي اللازم لسداد هذه الديون. بيع الأصول كحل مؤقت من بين الأصول التي تخطط الحكومة لبيعها، تأتي صفقة "رأس الحكمة" التي تهدف إلى تحقيق إيرادات تصل إلى 2.5 مليار دولار خلال العام المالي الحالي. وتعد هذه الصفقة جزءاً من خطة أوسع تتضمن خصخصة وبيع أصول حكومية أخرى في قطاعات حيوية مثل البنوك والمرافق العامة. وتعتبر هذه الخطوة جزءاً من استجابة الحكومة لضغوط صندوق النقد الدولي، الذي طالب بتقليص دور الدولة في الاقتصاد وزيادة دور القطاع الخاص. إلى جانب ذلك، تعتمد الحكومة على تحويل ودائع الدول العربية الموجودة في البنك المركزي إلى استثمارات لدعم الخزانة العامة. تعتبر هذه الودائع أداة هامة لتوفير سيولة إضافية، حيث يعاني الاقتصاد المصري من نقص حاد في العملة الأجنبية نتيجة لتراجع مصادر الدخل الرئيسية، وعلى رأسها السياحة وإيرادات قناة السويس. إيرادات قناة السويس تحت الضغط إيرادات قناة السويس، التي كانت تشكل أحد أهم مصادر العملة الصعبة لمصر، شهدت تراجعاً كبيراً خلال العام الجاري، ما أضاف عبئاً إضافياً على الخزينة المصرية. هذا التراجع في الإيرادات يُعزى إلى عدة عوامل، منها انخفاض حركة التجارة العالمية وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن التوترات الجيوسياسية في المنطقة. وبينما تعتمد الحكومة على القناة كمصدر رئيسي لتسديد الالتزامات الخارجية، أصبح من الواضح أن التحديات الاقتصادية العميقة تحتاج إلى حلول أكثر استدامة من مجرد بيع الأصول. خصخصة مرافق الدولة: ثمن باهظ للمواطن رغم تأكيد الحكومة المصرية على قدرتها الوفاء بالتزاماتها الخارجية في المواعيد المحددة، كما فعلت خلال عام 2023، فإن السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة، خصوصاً فيما يتعلق ببيع الأصول وخصخصة مرافق الدولة، أثارت قلقاً واسعاً بين المواطنين والخبراء الاقتصاديين على حد سواء. الخصخصة، التي يتم تصويرها على أنها حل مؤقت للأزمة، قد يكون لها آثار طويلة الأمد على الاقتصاد والمجتمع. فبيع البنوك والمرافق العامة يقلل من سيطرة الدولة على مواردها الحيوية ويزيد من الاعتماد على رأس المال الأجنبي، مما يعمق الفجوة بين الأغنياء والفقراء. كما أن الخصخصة غالباً ما تؤدي إلى رفع أسعار الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه، وهو ما سيزيد من معاناة المواطنين، الذين يواجهون بالفعل ارتفاعاً كبيراً في تكاليف المعيشة نتيجة للتضخم المتزايد. التضخم والبطالة: معاناة متزايدة في ظل هذه السياسات الاقتصادية، يعاني المواطن المصري من ارتفاع حاد في معدلات التضخم، التي وصلت إلى مستويات قياسية في العام الجاري. وارتفعت أسعار السلع الأساسية والخدمات بشكل كبير، مما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية للمواطنين. وفي الوقت نفسه، تتزايد معدلات البطالة، حيث يعاني القطاع الخاص من ضغوط كبيرة نتيجة للسياسات الاقتصادية الحكومية التي تفاقم من عدم الاستقرار. هل تكون الخصخصة حلاً مستداماً؟ رغم الوعود الحكومية بأن الخصخصة ستوفر سيولة نقدية تساعد في تخفيف الضغط على الميزانية، إلا أن العديد من الخبراء يرون أن هذه السياسة لن تكون حلاً مستداماً للأزمة الاقتصادية المتفاقمة. فبيع الأصول العامة قد يوفر بعض السيولة على المدى القصير، لكنه لن يعالج الأسباب الجذرية للأزمة، مثل الاعتماد المفرط على الديون الخارجية والسياسات الاقتصادية غير الفعالة التي تعمق التفاوت الاقتصادي والاجتماعي.
مسار محفوف بالمخاطر تجد مصر نفسها في مفترق طرق اقتصادي، حيث تقف بين خيارين: إما الاستمرار في بيع الأصول والخصخصة لتأمين السيولة، أو البحث عن حلول أكثر استدامة تعالج جذور الأزمة الاقتصادية. وبينما تؤكد الحكومة على قدرتها الوفاء بالتزاماتها الخارجية، فإن التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة تشير إلى أن الحلول المؤقتة قد تكون غير كافية، وأن مصر قد تحتاج إلى إعادة هيكلة جذرية لاقتصادها لتجنب كارثة اقتصادية محتملة.

