إن التنمية البشرية هي من المفاهيم الحديثة التي غزت العالم مؤخرًا مع أنّها من الناحية العملية هي موجودة منذ القدم، ققد تناوله الإسلام عمليًا منذ زمن بعيد.

ويعد مفهوم التنمية البشرية من المفاهيم التي شاعت في العقود الأخيرة في الدراسات العلمية والتقارير الدولية التي تسعى إلى إيجاد بيئة أفضل للعيش وممارسة الحياة. وعرفه أهل الاختصاص بأنه: “عملية واسعة وشاملة ومستمرة ومتعددة الجوانب لتغيير حياة الإنسان وتطويرها إلى الأفضل”.

والمقصود الأساسي للتنمية البشرية في الإسلام أنها تنمية تشمل جميع مناحي الحياة الإنسانية، من خلال قواعد مستنبطة من القرآن والسنة. وتقوم على جملة من الأسس، مثل: الاستخلاف، والتسخير، والتخطيط، والمسؤولية، والعمل، والإصلاح.

والهدف منها: بقاء الإنسان، وتوفير حاجاته، والانتقال إلى مستوى أفضل.

إن التنمية البشرية ضرورة ملحة لكافة المجتمعات ومنها المجتمعات العربية والإسلامية والتي لديها ما يؤهلها لتحقيق التنمية بنجاح كون الدين الإسلامي بما يتضمنه الكتاب من آيات مباركة والسنة النبوية من أحاديث شريفة تشكل المصدر الأساسي لتحقيق تنمية بشرية متوازنة.

ينظر الإسلام للتنمية البشرية على أنها الحياة الطيبة، وهو بذلك سبق وفاق ما كان عليه مفهومها وما آل إليه وما اختلف في مسماها، فهو لا ينظر لصنع الثروة بقدر ما ينظر إلى صانع تلك الثروة وهو الإنسان، وهو بطبيعته أكرم مخلوق، ومن أجله سخر له الله تعالى الكون خادماً لا مستخدماً فقال تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } (سورة الإسراء: 70).

ولا شك أن عمارة الأرض تتطلب عنصراً فاعلاً ومؤثراً وهو الإنسان، إذ لا يمكن أن تتم عملية الإعمار إلا بإنسان قادر ومهيأ بالإيمان والعلم والفكر والمهارة التي تمكنه من القيام بعملية الإعمار، وهذا لب التنمية البشرية التي ترتكز على تطوير الإنسان بجميع مكوناته النفسية والعملية. قال تعالى: { هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ } ( سورة هود : 61 ).

فهو محور النشاط في الكون؛ سخر الله له ما في السماوات والأرض جميعاً، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، فكل ما في الكون له ولخدمته، لذلك حرص الإسلام على المحافظة على نفسه وعلى عقله وعلى نسله، ليس باعتباره أحد عناصر الإنتاج التي يجب تنميتها للمساهمة في النمو الاقتصادي، بل تحقيقاً لإنسانيته أولاً، ولكي يستطيع القيام بدوره على أكمل وجه في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي عبادة الله تعالى بمفهومها الشامل وفقاً لشرع الله سبحانه.

ويلاحظ تدني مستوى التنمية البشرية في غالبية الدول الإسلامية بشكل عام والدول العربية بشكل خاص، مما يلفت النظر إلى أن هذا الوضع المتدني يغاير تمامًا ما كانت عليه المجتمعات الإسلامية المتمسكة بأصول دينها ومبادئه في العصور الأولى والتزامها بما جاءت به رسالة محمد ﷺ.

إن تنمية الموارد البشرية تقوم على التخطيط وحسن التدبير، وذلك يقتضي دراسة الواقع الذي يعيشه الفرد وتحليله بايجابياته وسلبياته، ووضع الحلول لمعالجة المشكلات ودراسة التوقعات المستقبلية بالمقاييس العلمية واقتراح الرؤى لذلك والإعداد الجيد للبرامج والخطط المستقبلية، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالإعداد؛ قال عز وجل: { وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم منْ قُوَّةٍ وَمِن ربَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْء فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ } (سورة الأنفال : 60).

كما حث النبي ﷺ على التخطيط المستقبلي حيث قال: “إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس…” وإذا كان التخطيط لمستقبل الورثة، وهم أفراد محدودون، مأمور به، فإن التخطيط لمستقبل المجتمعات والشعوب والدول أهم وأكثر حاجة.

ثم يأتي العمل الذي يعد الأساس والمحور الذي تدور عليه عملية تنمية الموارد البشرية، وقد اهتم الإسلام بالعمل وحث عليه سواء كان عملا تعبديا أو مهنيا ورفع من قيمة العمل، يقول تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا } . { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون } (سورة التوبة : 105).
ويحث النبي ﷺ على العمل فقال: “ما كسب الرجل كسبا أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة” (صحيح ابن ماجه). وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: “إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم، عملاً أن يتقنه” (صحيح الجامع ). ولا شك أن الإنسان الذي يراد له أن يؤدي عمله ويتقنه لابد له من مهارة وإعداد وذلك صلب عملية تنمية الموارد البشرية.

إن ما تعانيه كثير من شعوبنا العربية والإسلامية من فساد وخلل وانهيار إنما يعود في كثير منه إلى ضياع الأمانة، ولا شك إن غياب الأمانة إنما يعود في جزء كبير منه إلى غياب الإيمان، كما يعود أيضا إلى غياب مفاهيم التنمية البشرية الصحيحة التي تقوّم البناء الأخلاقي للإنسان. وقد أعطى الإسلام أهمية كبرى للأمانة فقال سبحانه وتعالى ممتدحاً المؤمنين {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (سورة المؤمنون : 8). وحذر النبي ﷺ من تضييع الأمانة فقال: “إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قالوا: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة” (رواه البخاري).