بينما اقترب القطاع الخاص غير النفطي في مصر من مرحلة استقرار نسبي قبل شهرين، دفع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والانهيار الحاد في قيمة الجنيه المصري، إلى تفاقم الضغوط الاقتصادية. ومع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران بعد اغتيال قيادات بارزة في حزب الله، وعلى رأسهم حسن نصر الله، تجددت المخاوف من تأثيرات سلبية أكبر على الاقتصاد المصري الهش. تأثير التوترات الإقليمية على الشركات المصرية يشير هشام حمدي، المحلل المالي بمجموعة النعيم المالية، إلى أن الشركات المصرية تسعى في الوقت الحالي إلى تسريع استيراد مستلزمات الإنتاج من الخارج، في محاولة للتأقلم مع تداعيات الأزمة. ويوضح حمدي أن تصاعد الحرب سيزيد من تكاليف الشحن ويعطل سلاسل الإمداد، مما يدفع الشركات إلى البحث عن تمويلات عاجلة لضمان استمرار عملياتها. ويضيف حمدي: "مع تزايد المخاوف من اتساع رقعة الحرب، ستواجه الشركات صعوبات أكبر، تشمل ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الشحن وصعوبة الحصول على مواد الإنتاج". هذه الضغوط، إلى جانب ضعف الطلب المحلي، تزيد من تحديات القطاع الخاص في مصر. التضخم وتأثيره على تكلفة الإنتاج شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات التضخم في مصر، مدفوعة بزيادة أسعار المحروقات والكهرباء والنقل. ويؤكد حمدي أن هذه الزيادات أدت إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج، مما انعكس على أسعار المنتجات. ويتوقع أن الزيادة المقبلة في أسعار الوقود، بالإضافة إلى التوجه نحو إلغاء الدعم النقدي، ستؤدي إلى استمرار ارتفاع معدلات التضخم، مما يضع مزيداً من الضغط على الشركات التي تحاول الحفاظ على هامش الربحية. وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي ارتفاع معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن إلى 26.2% في أغسطس 2024. هذا الارتفاع في التضخم يزيد من تكلفة المعيشة ويضعف القدرة الشرائية للمستهلكين، مما يؤثر سلباً على الطلب المحلي. انخفاض أداء القطاع الخاص غير النفطي أفادت تقارير حديثة بتراجع أداء القطاع الخاص غير النفطي في مصر خلال سبتمبر الماضي، وفقاً لمؤشر مديري المشتريات الصادر عن مؤسسة ستاندرد آند بورز غلوبال. فقد سجل المؤشر 48.8 نقطة، مما يشير إلى انكماش في ظروف الأعمال. يعزى هذا التراجع إلى انخفاض الطلب المحلي وارتفاع تكاليف الإنتاج، في حين واجهت الشركات صعوبات إضافية بسبب ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وضعف العملة المحلية. ووفقاً لنتائج المؤشر، فإن الشركات المصرية غير المنتجة للنفط شهدت تراجعاً في الإنتاج والطلبات الجديدة، حيث تسارعت وتيرة الانخفاض في الأعمال الجديدة إلى أسرع مستوى في خمسة أشهر. وأشار التقرير إلى أن العديد من الشركات تعاني من ارتفاع أسعار المواد الخام، مما يدفعها إلى رفع أسعار البيع للتعويض عن التكاليف المتزايدة. تأثير سياسات صندوق النقد الدولي من جانب آخر، تزايدت المخاوف بشأن تأجيل قروض صندوق النقد الدولي لمصر في ظل تصاعد التوترات الإقليمية. وبحسب تقرير نشره مركز الدراسات الاقتصادية، فإن شروط صندوق النقد المتعلقة بالتقشف وإصلاحات الدعم قد تزيد من الضغوط على الاقتصاد المصري وتفاقم من معاناة المواطنين، خاصة في ظل استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة. وتوقع التقرير أن يؤدي استمرار هذه السياسات إلى ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأعباء على القطاع الخاص. كما أشار إلى أن الشركات تواجه تحديات متزايدة بسبب نقص التمويل وارتفاع تكاليف الطاقة والمياه، في ظل رفع الحكومة المصرية للدعم عن الطاقة تدريجياً. التحديات المرتبطة بالتضخم والطاقة أشار تقرير حديث صادر عن مركز المصري للدراسات الاقتصادية إلى أن التضخم هو أحد أكبر التحديات التي تواجه الشركات المصرية، حيث يؤدي إلى زيادة كبيرة في تكاليف التشغيل. وجاء في التقرير أن الارتفاع المستمر في تكاليف الطاقة والمياه، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الشحن، يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي. كما أوضح التقرير أن القطاع الخاص المصري يعاني من ضعف القدرة التنافسية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض الطلب المحلي، مما يؤدي إلى تراجع المبيعات والإيرادات. مستقبل القطاع الخاص في ظل التوترات الإقليمية يتوقع المحللون أن تستمر التحديات الاقتصادية التي تواجه القطاع الخاص غير النفطي في مصر خلال الأشهر المقبلة، خاصة إذا استمرت التوترات بين إسرائيل وإيران في التصاعد. ويرى الخبراء أن الحكومة المصرية بحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من تأثيرات التضخم وارتفاع التكاليف على الشركات. وفي شهادات لمديري الشركات، أشاروا إلى أنهم لا يتوقعون تعافي مؤشرات الأداء الاقتصادي في الربع الأخير من العام الحالي. وأكدوا أن استمرار ارتفاع أسعار الطاقة والمدخلات الوسيطة سيؤثر سلباً على الإنتاج والمبيعات والصادرات.
ختاما ؛ يواجه القطاع الخاص غير النفطي في مصر تحديات كبيرة في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وارتفاع معدلات التضخم. وفي حين تسعى الشركات إلى الحفاظ على عملياتها، فإن استمرار الأزمات الاقتصادية المحلية والإقليمية يزيد من تعقيد الوضع. تحتاج الحكومة المصرية إلى معالجة التضخم وتقديم دعم للقطاع الخاص لضمان استمرارية الإنتاج وتجنب انهيار الشركات.

