في خطوة أثارت جدلاً واسعًا، أعلنت الحكومة المصرية عن نيتها تقليص المساحة المزروعة بالأرز بنسبة 32% خلال الموسم الزراعي القادم 2024، لتصل إلى 750 ألف فدان فقط. يأتي هذا القرار وسط أزمة مياه النيل المستمرة والصراع حول سد النهضة الإثيوبي، حيث تحاول الحكومة المصرية إدارة مواردها المائية المتضائلة.

أزمة مياه النيل وتأثيرها على زراعة الأرز
المساحة المزروعة بالأرز هذا العام بلغت رسميًا 1.1 مليون فدان، إلا أن العديد من المزارعين تجاوزوا هذا الرقم ليصل إجمالي المساحة الفعلية إلى 1.6 مليون فدان.

يعود قرار تقليص المساحة إلى مشاكل في توفير الموارد المائية، خاصة مع التحديات التي تواجه مصر نتيجة بناء سد النهضة في إثيوبيا. هذا السد يهدد حصة مصر السنوية من مياه النيل، والتي تبلغ 55 مليار متر مكعب، في ظل رفض إثيوبيا توقيع اتفاق ملزم يضمن حصة مصر.

سد النهضة، الذي يبنيه الإثيوبيون على النيل الأزرق، يمثل تهديدًا مباشرًا لزراعة المحاصيل الاستراتيجية في مصر، وعلى رأسها الأرز. وفي ظل تعثر المفاوضات بين مصر وإثيوبيا بشأن السد، تعتبر الحكومة المصرية أن تقليص المساحات المزروعة بالأرز ضروري للحفاظ على المياه.

الآثار الاقتصادية وارتفاع أسعار الأرز
القرار الحكومي أدى إلى ارتفاع أسعار الأرز بشكل ملحوظ في الأسواق المحلية. فقد بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من الأرز بين 31 و36 جنيهًا، مقارنة بـ26 و30 جنيهًا في سبتمبر الماضي. ويعزى هذا الارتفاع إلى تزايد الطلب على الأرز المحلي في ظل تقليص المساحات المزروعة، ما يشير إلى احتمالية زيادة الأسعار في المستقبل مع استمرار تقليل المساحات الزراعية.

مجدي الوليلي، عضو غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات، أشار إلى أن الأسعار مرشحة للزيادة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وتوقعات نقص المحاصيل. كما أعرب عن قلقه من التأثيرات السلبية للقرار على المزارعين، الذين يعتمدون على الأرز كمصدر دخل رئيسي.

غضب المزارعين ومخاوفهم
أثار القرار الحكومي استياء المزارعين في المحافظات المتضررة، الذين وصفوا القرار بأنه "متسرع وغير مدروس". ويعبر المزارعون عن قلقهم من أن يؤدي تقليص المساحات المزروعة إلى رفع أسعار الأرز الشعير والأبيض. كما يرون أن القرار يخدم مصالح كبار التجار، الذين قاموا بتخزين كميات كبيرة من الأرز وينتظرون مثل هذه الفرص لرفع الأسعار وتحقيق أرباح كبيرة.

الأرز: محصول استراتيجي ومعالجة ملوحة الأراضي
الأرز يعتبر محصولًا استراتيجيًا بعد القمح في مصر، حيث يُستخدم في معالجة التربة من الأملاح الزائدة، خاصة في مناطق دلتا النيل. لكن مع تقليص المساحات المزروعة، قد تتعرض الأراضي الزراعية في شمال الدلتا إلى تدهور بسبب زيادة الملوحة. هذا إلى جانب احتمال أن يتحول الأرز إلى سلعة مستوردة بدلًا من إنتاجه محليًا، ما يزيد من الاعتماد على الخارج ويضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد المصري.

تقليص مساحة الاراضى المزروعة
في ظل أزمة سد النهضة الإثيوبي وفشل المفاوضات بشأن ملء السد، قررت مصر تقليص مساحات زراعة الأرز بشكل كبير لتصل إلى 724,200 فدان فقط في تسع محافظات، بعد أن كانت المساحات المزروعة تتجاوز المليون فدان في مواسم سابقة. جاء القرار في إطار سعي الحكومة للحفاظ على موارد مياه نهر النيل، الذي يعد المصدر الرئيسي للمياه في البلاد ويغطي 95% من احتياجاتها.

كما نص القرار على فرض غرامات على المخالفين وزراعة سلالات موفرة للمياه، مثل الأرز الجاف. وتأتي هذه الخطوات ضمن إجراءات مصرية أشمل لمواجهة الشح المائي المتوقع بسبب سد النهضة، مع توقعات بانخفاض نصيب الفرد من المياه بشكل كبير بحلول عام 2025.

هل تقود أزمة سد النهضة إلى مزيد من الإجراءات؟
تتزامن هذه القرارات مع تصاعد المخاوف من التأثيرات المستقبلية لأزمة سد النهضة على الأمن المائي لمصر. وزير الموارد المائية والري المصري، محمد عبد العاطي، أكد أن قرار تقليص زراعة الأرز ليس له علاقة مباشرة بأزمة سد النهضة، لكنه يأتي ضمن جهود الحكومة لترشيد استهلاك المياه في ظل الزيادة السكانية الكبيرة.

ختامًا، يظل السؤال: هل تستطيع الحكومة المصرية موازنة إدارة مواردها المائية المحدودة دون الإضرار بمعيشة المواطنين؟