تواصل السلطات الأمنية والقضائية في مصر ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق آلاف المعتقلين السياسيين، مما يكشف عن تدهور كبير في وضع حقوق الإنسان في البلاد، رغم الوعود الرسمية بتعديلات قانونية لتحسين أوضاع المحتجزين وتقصير مدد الحبس الاحتياطي.

هذه الانتهاكات تشمل استمرار الحبس الاحتياطي بشكل غير قانوني، وتجديده إلكترونيًا، مما يدفع المعتقلين وذويهم إلى اليأس، ويؤدي في بعض الحالات إلى محاولات انتحار أو إضرابات عن الطعام.

أحد أبرز القضايا التي أثارت جدلاً في الأوساط الحقوقية والسياسية المصرية مؤخرًا هي قضية المعتقل السياسي علاء عبد الفتاح (43 عامًا)، الذي رفض النائب العام المصري، محمد شوقي، ضم مدة حبسه الاحتياطي إلى مدة تنفيذ الحكم الصادر بحقه. ووفقًا للمحامي الحقوقي خالد علي، فإن القرار يعني أن عبد الفتاح سيبقى في السجن حتى 3 يناير 2027، بدلاً من الإفراج عنه في 30 سبتمبر 2024، كما كان مفترضًا.

ردًا على هذا القرار، أعلنت والدة عبد الفتاح، الدكتورة ليلى سويف، أنها تعتبر ابنها مخطوفًا منذ 30 سبتمبر 2024، وبدأت إضرابًا كليًا عن الطعام احتجاجًا على ما وصفته بتواطؤ السلطات المصرية والبريطانية في استمرار احتجازه.

استمرار الانتهاكات رغم تعديل القوانين
على الرغم من إدخال تعديلات على قانون "الإجراءات الجنائية" وتخفيف مدد الحبس الاحتياطي بناءً على توصيات "الحوار الوطني" الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أبريل 2022، فإن السلطات المصرية لا تزال تتجاهل تطبيق هذه القوانين.

ورغم الضجة الإعلامية الكبيرة التي أثيرت حول هذه التعديلات، إلا أن المعتقلين السياسيين يواجهون حبسًا احتياطيًا طويل الأمد دون محاكمة عادلة، بل يتم إعادة تدوير قضاياهم بشكل منهجي لتمديد فترة احتجازهم.

من بين الحالات التي تعكس هذا الوضع المأساوي، قضية سيدة الأعمال حسيبة محسوب (56 عامًا)، شقيقة الوزير السابق محمد محسوب. تم تجديد حبسها لمدة 45 يومًا على ذمة التحقيق رغم معاناتها من ظروف صحية صعبة، بما في ذلك ورم مزمن على الرحم، قصور في عضلة القلب، وارتفاع ضغط الدم. 

حسيبة محسوب تجاوزت مدة الحبس الاحتياطي القانونية، حيث كان من المفترض الإفراج عنها في نوفمبر 2021، لكنها لا تزال محتجزة منذ أكثر من ثلاث سنوات.

انتهاكات متكررة ومحاولات انتحار
تشهد السجون المصرية انتهاكات مستمرة، حيث تتعرض حقوق المعتقلين للتجاهل بشكل صارخ. وفي أحدث الحالات، حاول المعتقل السياسي أحمد محمد إبراهيم عبد العزيز الانتحار بعد أن تم تجديد حبسه الاحتياطي لمدة سبع سنوات رغم حصوله على قرار بالإفراج عنه. هذه المحاولة تأتي بعد أن جرى تدويره في قضية جديدة فور حصوله على حكم الإفراج، ما يعكس الطريقة الممنهجة التي يتم بها إبقاء المعتقلين في السجون.

كما تم تجديد حبس رسام الكاريكاتير والمترجم أشرف عمر لمدة 15 يومًا، بعد اعتقاله في يوليو الماضي بسبب رسم كاريكاتوري ينتقد فيه انقطاع الكهرباء.

وتواصل السلطات أيضًا حبس العديد من أبناء القيادات المعارضة مثل الحسين خيرت الشاطر وأنس محمد البلتاجي، حيث يتم تدويرهم في قضايا جديدة لتمديد حبسهم الاحتياطي المستمر منذ عام 2019.

التدوير المستمر للحبس الاحتياطي: وسيلة لقمع المعارضين
يعد التدوير المستمر للحبس الاحتياطي واحدًا من أبرز الانتهاكات القانونية التي تمارسها السلطات المصرية بحق المعتقلين السياسيين. على الرغم من أن الحبس الاحتياطي يعتبر إجراءً وقائيًا في الأساس، إلا أن النظام المصري حوّله إلى أداة لمعاقبة المعارضين وقمع أصواتهم. وفي حين يتمتع المتهمون بجرائم جنائية بعفو رئاسي مثل إبراهيم العرجاني وصبري نخنوخ، يظل المعتقلون السياسيون مثل علاء عبد الفتاح وغيرهم في السجون بشكل غير قانوني.

وفي هذا السياق، قال الإعلامي والحقوقي المصري هيثم أبوخليل لـ"عربي21": "ما يحدث مع علاء عبد الفتاح وغيرهم من المعتقلين هو عملية انتقام شخصية تتجاوز أي اعتبارات قانونية أو دستورية. فالنظام يستخدم الحبس الاحتياطي كسلاح لقمع الأصوات المعارضة دون أي مراعاة للعدالة أو القانون".

الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان: وعود بلا تنفيذ
أطلقت السلطات المصرية "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" في سبتمبر 2019، بهدف تحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد، وتعزيز سيادة القانون. وعلى الرغم من هذه الوعود، إلا أن الواقع يشير إلى أن السلطات تستمر في انتهاك حتى القوانين التي تقوم بتعديلها. وتستخدم الدولة الحبس الاحتياطي كأداة رئيسية لإسكات المعارضين السياسيين، مع إعادة تدوير قضاياهم دون أي اعتبار لحقوقهم الأساسية.

وفي حديثها لـ"عربي21"، أكدت الحقوقية المصرية هبة حسن أن "السلطات المصرية تستمر في انتهاك حقوق المعتقلين حتى بعد تعديلات القوانين، مما يفاقم من معاناة المعتقلين وأسرهم ويجعل من الصعب رؤية أي حل لهذه الأزمة في المستقبل القريب".
خاتما ؛ مع استمرار السلطات المصرية في انتهاك القوانين المحلية والدولية، وتجاهل أوضاع المعتقلين السياسيين، يبقى الوضع الحقوقي في البلاد في حالة من التدهور المستمر.

وعلى الرغم من المطالبات المحلية والدولية بإطلاق سراح المعتقلين وإنهاء استخدام الحبس الاحتياطي كأداة للقمع، إلا أن النظام يبدو مصممًا على مواصلة هذه السياسات التي تزيد من حدة الأزمة وتعمق الانقسامات الداخلية.